وصاليات ككما يؤثفين (1)
يعني: كمثل ما يؤثفين، والكاف الأولى زائدة وهو كقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (2)؛ المعنى ليس مثله، والكاف زائدة لا غير.
والدليل على ذلك أنّا لو لم نجعلها زائدة لاستحال الكلام، وذلك أنها إذا لم تكن زائدة، فهي بمعنى مثل وإن كانت حرفا فيكون التقدير: ليس مثل مثله شيء، وإذا قدّر بهذا التقدير، فقد أثبت له مثل ونفي الشّبه عن مثله وهذا محال من وجهين: أحدهما: أن الله تعالى لا مثل له ولا نظير.
والثاني: أن نفس اللفظ به محال في كل أحد وذلك أنّا لو قلنا " ليس مثل مثل زيد أحد " لاستحال وذلك أنا لو أثبتنا لزيد مثلا، فقد جعلنا زيدا مثلا له. لأن ما ماثل الشيء فقد ماثله ذلك الشيء، ويجوز أن يكون زيد مثلا لعمرو وعمرو ليس مثلا لزيد، فإذا نفينا المثل عن مثل زيد وزيد هو مثل مثله فقد أحلنا.
ومن ذلك وضعهم الاسم مكان الاسم على سبيل الاستعارة، وقد يجري مثله في الكلام حتى لو أخرجه مخرج عن باب الضرورة، لم يكن بالمخطئ؛ فمن ذلك قول الحطيئة:
قروا جارك العيمان لما جفوته
… وقلّص عن برد الشّراب مشافره (3)
أراد: شفتيه، والمشافر للإبل. وقال آخر:
سأمنعها أو سوف أجعل أمرها
… إلى ملك أظلافه لم تشقّق (4)
أراد عقبيه. والأظلاف للبقر والغنم في موضع عقبى الإنسان وقدمه.
وقال آخر يصف إبلا:
تسمع للماء كصوت المسحل
… بين وريديها وبين الجضحفل (5)
والجحفل لذوات الحافر، وهو من الإبل المشفر.