تحويلها إلى الأيسر لأنها تصير في حافة اللسان في الأيسر إلى مثل ذلك ما كانت في الأيمن، ثم يتسل من الأيسر حتى تتصل بحروف اللسان كما كانت كذلك في الأيمن.
قال أبو سعيد- رحمه الله-: أما التسعة والعشرون حرفا فهي معروفة لا تحتاج إلى تفسير، وأما النون الخفيفة؛ فإنه يريد النون الساكنة التي مخرجها من الخيشوم نحو: النون في منك وعنك ومن زيد ورأيت في كتاب أبي بكر مبرمان في الحاشية الرواية الخفيفة، وقد يجب أن تكون الخفية لأن التفسير يدل عليه وإنما تكون هذه النون من الخيشوم مع خمسة عشر حرفا من حروف الفم، وهي القاف والكاف والجيم والشين والضاد والزاي والسين والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والفاء وهي متى كانت ساكنة وبعدها حرف من هذه الحروف مخرجها من الخيشوم لا علاج على الفم في إخراجها وكذلك يتبينها السامع ولو نطق بها ناطق وبعدها حرف من هذه الحروف وسد أنفه لبان اختلالها.
قال أبو سعيد- رحمه الله-: ولو تكلف متكلف إخراجها من الفم مع هذه الخمسة عشر حرفا لا يمكن بعلاج وهذا يتبين بالمحنة، وإذا كانت النون ساكنة وبعدها حروف الحلق وهي ستة كانت مخرجها من الفم من موضع الراء واللام، وكانت بينة غير خفية، وتدغم النون الساكنة في خمسة أحرف وهي الراء واللام والميم والواو والياء ويجمعها ويرمل.
فإذا أدغمت في حرف من هذه الحروف صارت من جنس ذلك الحرف وذلك قولك: من رحمك ومن لجأ إليك، ومن معك، ومن وراءك ومن يكون معك، وتنقلب ميما مع الباء كقولك في عنبر وشنباء عمير وشمباء ولو تكلف المتكلم إخراجها من الفم وبعد هاء لأمكن على مشتقه وبعلاج.
وإنما تخرج من الخيشوم وهي ساكنة وبعدها الباء فتنقلب ميما لأن الباء لازمة لموضعها ولا تخطي لها عنه ولا مدار لصوتها في غيره فكرهوا تكلف إخراجها من الفم لما ذكرته لك وتباعد ما بين الخيشوم وبين فرج الباء من
الشفتين ولم يكن بينهما مشابهة تجمعهما فطلبوا حرفا يتوسط بينهما بملابسة بينه وبين كل واحد منهما وهو الميم، وذلك أن الميم من مخرج الباء تدغم الباء فيه؛ فهذه ملابسة الميم للباء وفي الميم غنة في الخيشوم فهذه ملابسة الميم للنون التي من الخيشوم.
فإن قال قائل: فهلا كانت الباء كالحروف الخمسة عشر التي تخفي النون الساكنة قبلها أو كحروف الحلق التي تتبين قبلها النون؛ فالجواب أن النون الخفية إنما تخرج من حروف الأنف الذي ينجذب إلى داخل الفم لا من المنخر فلذلك خفيت مع حروف الفم