شئنا لم يمكن ذلك إلا في حروف المد واللين، وهي الألف والواو والياء الساكنتان والمدغم في مثله ينحي بالحرفين نحو الحرف الواحد؛ فاجتمع في ذلك مد الحرف الذي كالحركة وكون الحرفين كالحرف الواحد وفي الثاني منهما حركة فحسن لذلك اجتماع الساكنين وجعل يظلموني ويظلماني وتظلميني بمنزلة المنفصل لأنا وإن كنا لا نقف على النون الأولى دون الثانية فإن الأولى قد كان ينطق بها وليس معها نون أخرى.
وقد يدخل عليها النصب والجزم فيقال: لن تظلموني ولن تظلماني، ولن تظلميني فتسقط النون الأولى فهو بمنزلة المنفصل.
قال: ومما يدلك على أن حرف المد بمنزلة متحرك أنهم إذا حذفوا في بعض القوافي لم يجز أن يكون مكان المحذوف الآخر في لين ومد كأنه يعوض ذلك لأنه حرف ممطول.
قال أبو سعيد- رحمه الله-: إذا حذف من الجزء الأخير من البيت حرف متحرك أو وزنه متحرك لزم الردف عوضا
من المحذوف ولم يحسن أن لا يكون مردفا والردف ألف أو وواو أو ياء قبل حرف الروي وذلك في الضرب الثالث من الطويل كقول الشاعر:
فإن تسلوني بالنساء فإنني
… بصير بادواء النساء طبيب
لو قال شاعر: بصير بادواء النساء وطب لم يحسن وإن كان وزنه وزن طبيب وذلك أن طبيب فعلون، وهو الجزء الثامن من الضرب الثالث وأصله مفاعيلن، فحذفت اللام والنون فبقي مفاعي فنقل إلى فعلون ولزمه الردف عوضا وهذا يتسقصي في العروض، ولا يتسع لاستقصائه هذا الموضع.
قال: وإذا كان قبل الحرف المتحرك الذي بعده مثله حرف ساكن لم يجز أن يسكن ولكن إن شئت أخفيت وكان بزنة المتحرك من قبل أن التضعيف لا يلزم في المنفصل كما يلزم في مدق ونحوه مما التضعيف فيه غير منفصل يريد أن الحرفين المثلين من كلمتين إذا كان قبل الأول منهما حرف ساكن من غير حروف المد لم يدغم؛ لأنه لو أدغم كان إدغامه على أحد وجهين أما أن يدغم ويترك الحرف الساكن الذي قبله على سكون فيجتمع ساكنان.
وأما أن تلقي حركة الحرف الأول المدغم على الساكن الذي قبله فيغير بناؤه كقولنا في شهر رمضان: شهرمضان، وفي كنز زيد كنزيد، ويجوز مثل هذا في كلمة واحدة نحو: مدق ومرد والأصل فيه مدقق ومردد وألقوا حركة القاف على الدال.