جميع ما ذكرنا، ولم يدغموها؛ لأنهم لم يريدوا أن يبقى الإطباق إذ كان يذهب في الانفصال؛ فكرهوا أن يلزموه ذلك في حرف من حروف الإطباق، وذلك قولهم اظعنوا، وفي نسخة أبي بكر مبرمان؛ فهو أجدر أن تقلب التاء طاء.
ولا تدغم الطاء في التاء فتخل بالحرف؛ لأنهما في الانفصال أثقل من جميع ما ذكرنا يريد أن الطاء إذا كان بعدها تاء الافتعال قلبت التاء طاء وقلبها طاء مع الطاء أجدر من سائر ما ذكر قلبها معه طاء.
وقوله: لأنهما في الانفصال أثقل يريد أن التقاءهما في الانفصال ثقيل فإذا التقتا في كلمة ازدادت ثقلا فقوله: ولم يدغموها؛ لأنهم لم يريدوا أن يبقى الإطباق إذ كان يذهب في الانفصال يريد أنهم لم يدغموا الطاء في التاء؛ لأنهم لم
يريدوا أن لا يبقى الإطباق كما قال عز وجل يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا النساء: 176.
ولو أدغموها في التاء لذهب الإطباق.
وقوله: إذ كان يذهب في الانفصال معناه: أنهم لم يريدوا أن لا يبقى الإطباق حسبما يذهب الإطباق في المنفصل إذا التقى في الصوت بمنزلة ما قرب من أقرب الحروف في الموضع، ولا يدغمون النون في الباء للبعد منها في المخرج، وأنها ليست فيها غنة، ولكنها أبدلوا مكانها أشبه الحروف بالنون، وهي الميم وذلك قولك من يك وشنباء والعنبر يريد تقلب النون الساكنة إذا كانت بعدها باء ميما كقولك من بك وشنباء؛ لأن الباء من موضع الميم والنون تعتل مع الميم واعتلالها أن تنقلب ميما؛ فأرادوا قلبها ميما مع الباء إذ كانت الباء من مخرج الميم.
كما أدغموها فيما يقرب من الراء كما أدغموا النون في الياء؛ لأن الباء تقرب من الراء والراء أقرب الحروف من النون في قلبها ياء، وسترى قرب الراء من الياء إن شاء الله.
فإن قال قائل: فهل يلزم على ذلك إذا أدغم حرف في حرف أن يقلب الحرف المدغم مع كل حرف من مخرج الحرف المدغم فيه قيل له: لا يلزم ذلك حتى يكون معه معنى آخر يوجب ذلك القلب، وذلك المعنى هو ما يلحق النون إذا كان بعد هاء؛ لأن ابتداء صوت النون من الخيشوم ولها حالان حال ابتداء وحال انتهاء؛ لأنها يتقرر مخرجها؛ فإذا ابتدأت إخراجها وحركاتها كانت من الفم لا غير وذلك بين إذا امتحنته كقولك منا ومنى ومنو، وكذلك إذا وقفت عليها ساكنة، وهي من الفم كقولك: من وعن وهو بين إذا امتحنته.
وإذا وصلتها بما تخفى معه تفردت بالخيشوم كقولك: منك وعنك فأشد أصواتها