قال أبو سعيد- رحمه الله-: والذي يتبين من لفظه ما حكوه تسكين الميم والباء وهو على أحد وجهين أما أن يكون أخفى الحركة على ما يعتقده كثير من البصريين، ويتأوله أبو بكر بن مجاهد- رحمه الله- في بعض ما روي عن أبي عمرو، وذلك أنه حكى عن اليزيدي عن أبي عمرو تسكين في يَنْصُرْكُمْ التوبة: 14، ويَأْمُرُكُمْ البقرة:
67، وذكر عقيبة أن سيبويه ونحويي البصريين ينكرونه وينفون أن يكون محفوظا عن أبي عمرو ويحكون أن أبا عمرو كان يميله إلى التخفيف يختلس الكسرة والضمة إذا توالت الحركات فيرى من يسمعه ممن لا يضبط سمعه ما خفيت حركته أنه أسكن ولم يسكن.
قال أبو بكر: ولا أحسب القول إلا ما قال، وحكي عن جماعة عن أبي عمرو ما يضعف رواية اليزيد عنه ويقوي ما قاله سيبويه، وأهل البصرة؛ فأما أن يكون على التسكين الذي حكي عنه في قوله: يَنْصُرْكُمْ ويَأْمُرُكُمْ حكاه عنه اليزيدي.
وقد حكي عن الكسائي أيضا فيما كان مثل يَأْمُرُكُمْ ثلاث لغات الإشباع والتخفيف والجزم، وإنما هو تسكين ضمة بين حرفين متحركين كقولهم في رسل ورسل وفي عجز ورجل عجز ورجل وكذلك في المكسور نحو قولنا: في فخذ فخذ وفي علم علم، ومذهب سيبويه أن لا تدغم الفاء في الباء.
وكذلك ذكر أبو بكر بن مجاهد قال: قال اليزيدي: كان أبو عمرو لا يدغم الفاء في الباء.
قال: ولم يذكر عنه في الباء مع الفاء شيئا. قال أبو بكر: والقياس يوجب إدغامها تعريفا منها ويحتمل تركه ذكرها إذا ذكر ما لا يدغم فيها أن يكون أباح إدغامها
... والله أعلم.
قال: ولم أر من أدركت من الذين يقرؤون قراءة أبي عمرو بحثوا عن إدغام الباء في الفاء، وما ذكر أبو بكر هو مذهب سيبويه لأنه يدغم الباء في الفاء ولا يدغم الفاء في الباء.
وقد ذكر في موضعه من كلام سيبويه، وقد أدغم الكسائي وحده الفاء في الباء في قوله إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ
سبأ: 9، لأن أقرب المخارج إلى مخرج الباء مخرج الفاء، وهو قليل ضعيف وأما التاء؛ فإنها تدغم في مثلها إذا كانت الأولى ساكنة ضرورة وإذا كانت الأولى متحركة فإن أبا عمرو يدغم في بعض ولا يدغم في بعض؛ فما أدغم قوله ذاتِ الشَّوْكَةِ الأنفال: 7، في تاء تكون ومما لم يدغم كُنْتَ تَرْجُوا القصص: 86، وكُنْتُ تُراباً النبأ: 40، وكِدْتَ تَرْكَنُ الإسراء: 74،