يمض من المحدّث به عن الأسماء، وهو الذهاب والجلوس والضّرب ".
يعني أنك إذا قلت: " ذهب زيد " و " جلس عمرو " و " يضرب أخوك " فقد دللت على ذهاب في زمان ماض كان من زيد، وجلوس كان من عمرو، وضرب يقع بالأخ في زمان مستقبل، فحدثت عن زيد بذلك الذهاب الماضي، وحدّثت عن الأخ بالضرب الذي يقع به، والأمثلة هي أمثلة الأفعال التي منها ماض وغير ماض، والمحدّث به عن الأسماء هو المصادر والأسماء هاهنا هم المسمّون الفاعلون، كأنه أراد أصحاب الأسماء. وقد مضى هذا في أول الكتاب.
فإن قال قائل: لم قال سيبويه: " فالأسماء المحدّث عنها والأمثلة دليلة على ما مضى، وعلى ما لم يمض "، ونحن نعلم أن الأمثلة وحدها هي الدالة على الأزمنة الماضية وغير الماضية، والأسماء لا تدل على ذلك؟
فالجواب عنه أن يقال: إن الفعل بنفسه إذا عري من الاسم لم يكن كلاما، وإنما يتمّ الكلام بذكر الفاعل معه، فإذا ذكر الفعل والفاعل دلّ حينئذ على المصادر المحدّث بها عن الأسماء، غير أن الدلالة على الأزمنة للأفعال وخلط الأسماء بها لاحتياجها إلى الأسماء أعني احتياج الفعل.
ثم قال سيبويه: " وليست الأمثلة بالأحداث، ولا يكون ما كان منه الأحداث ".
يعني أن قولك: " قام ويقوم " و " انطلق وينطلق " و " ضرب ويضرب " وما أشبه ذلك من أمثلة الفعل ليست هي المصادر، وذلك أن هذه الأمثلة تدل على المصادر والأزمنة، فليست هي المصادر وحدها ولا هذه الأمثلة الفاعلين الذين يكون منهم الأحداث، كزيد وعمرو وسائر الأسماء التي يقع منها الأحداث.
وقوله: " هي الأسماء ". يريد أصحاب الأسماء الفاعلين.
هذا باب الفاعل الذي يتعدّاه فعله إلى مفعولقال سيبويه: " وذلك قولك: ضرب عبد الله زيدا، فعبد الله ارتفع هاهنا كما ارتفع في ذهب، وشغلت ضرب به، كما
شغلت به ذهب ". وقد فسرنا هذا.
وشبه سيبويه رفع الفاعل الذي يتعدى فعله في " ضرب ". برفع الفاعل الذي لا يتعدى فعله في " ذهب "، لاجتماعهما في أنهما فاعلان قد شغل الفعل بهما، وإن كانا قد اختلفا في التعدّي.