قال سيبويه:
" وقد قال بعضهم: ذهبت الشّأم، وشبهه بالمبهم، إذ كان مكانا وكان يقع عليه المكان والمذهب. وهذا شاذ؛ لأنه ليس في " ذهب " دليل على " الشّأم " وفيه دليل على المذهب والمكان. ومثل " ذهبت الشّأم ": " دخلت البيت ".
قال أبو سعيد: قد قدمنا أن الأماكن المختصة التي لا تقع ألفاظها على كل مكان لا تستعمل ظروفا، فكان من حكم الشّأم أن لا يستعمل ظرفا؛ لأنه اسم لبقاع بعينها، فلما قالت العرب: " ذهبت الشّأم " وحذفوا حرف الجر، وهو " في " أو " إلى " علمنا أن ذلك شاذ خارج عن القياس الذي ذكرناه، إذ كان حكمه أن يقول: " ذهبت إلى الشّأم " و " ذهبت في الشّأم "، وهو الأكثر في كلامهم، إلا أن الذين تكلموا بالشاذ الذي ذكرناه، قد ذهبوا فيه مذهبا، وإن كان ضعيفا، وذلك المذهب هو أنك تعلم أن كلّ بقعة، وإن اختصت باسم ما، كنحو: " المسجد " و " الدّار " فله اسم يشاركه فيه سائر البقاع نحو:
" مكان " و " موضع "، ألا ترى أن " المسجد " هو مكان، وإن كان مسجدا ولو قال قائل:
" قمت مكانا طيّبا "، وهو يعني المسجد، جاز؛ لأنه أتى باللفظ الذي يشاركه فيه غيره، فكذلك الشأم هو مكان، فإذا قال قائل: " ذهبت الشّأم " وجعله ظرفا من حيث كان مكانا، وإن لم يأت بلفظه، جاز، وهذا لا يقاس عليه، كما لا يقاس على وضع الأسماء.
ومما لفظ بلفظ فيه، وأجري على معناه، لا على حقيقة اللفظ قوله:
فإنّ كلابا هذه عشر أبطن
… وأنت بريء من قبائلها العشر
فقال: عشر أبطن. وحكمه أن يقول: عشرة أبطن؛ لأن البطن مذكّر، ولكنه ذهب بها مذهب القبائل؛ لأنها قبائل.
وقال بعض النحويين: إنما قالت العرب هذا في الشّأم؛ لأن معناه: " اليسار " وبه سمّي لأنه شأمة كقولك: " يسره " ولو قلت " ذهبت الشّأمة " و " اليسار " جاز. قال: ومثل هذا: " اليمن "؛ لأنهم يريدون به اليمين واليمنة فأجاز أن تقول: ذهبت اليمن، ولم يجز ذلك في " عمان " و " مكّة "؛ لأنه ليس فيها ذلك المعنى. ولا أشباهها.
ويلزمه عندي أن يجيز في " العالية " و " نجد "؛ لأنها مأخوذة من الارتفاع وأنت لو قلت: " ذهب فلان فوق " لجاز؛ لأنه ظرف.
وقد حذفت العرب حرف الجرّ من الأماكن مع الدخول، فقالوا: " دخلت البيت "