لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه
… فيه كما عسل الطّريق الثّعلب (1)
قال أبو سعيد: وكان ينبغي أن يقول: " عسل في الطّريق الثّعلب " وعسل: عدا. وهو يصف رمحا يهتزّ متنه، فجعل سرعة اهتزازه بمنزلة عسلان الثّعلب.
ولم يجعل سيبويه الطريق ظرفا؛ لأن الطريق اسم خاصّ للموضع المستطرق، ألا ترى أنه لا يقال للمسجد طريق، ولا للبيوت طرق على الإطلاق، وإنما يقال: " جعلت المسجد طريقا " أي استطرقته، وليس الطريق المعروف على هذا المنهاج.
وقد قال بعض النحويين إن الطريق ظرف؛ لأن كل موضع استطرقته فهو طريق.
قال سيبويه: " ويتعدّى إلى ما كان وقتا للأماكن، كما يتعدّى إلى ما كان وقتا في الأزمنة، لأنه وقت يقع في المكان ولا يختصّ به مكان واحد، كما أن ذلك وقت في الأزمان، ولا يختص به زمن بعينه ".
قال أبو سعيد: يريد أن الفعل يتعدى إلى ما كان مقدار مسافته من الأمكنة، نحو الفرسخ والميل، وذلك أن الفرسخ والميل وما أشبهه يصلح وقوعه على كل مكان بتلك المسافة المعلومة المقدّرة، وسمّاه وقتا؛ لأن العرب قد تستعمل التوقيت في معنى التقدير، وإن لم يكن زمنا، ألا ترى أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم وقّت مواقيت الحجّ لكل بلد، فجعلها أماكن، فميقات أهل العراق " ذات عرق " وميقات أهل الشام " الجحفة "، وميقات أهل المدينة " ذو الحليفة ". وسبيل الفرسخ والميل في المكان كسبيل اليوم والشهر في الزمان.
قال سيبويه: " فلما صار بمنزلة الوقت في الزمن كان مثله "، يعني لما صار الفرسخ في المكان بمنزلة الشهر في الزمن كان مثله في الظرف.
قال سيبويه: " وكذلك كان ينبغي أن يكون إذ صار فيما هو أبعد نحو ذهبت الشأم ".
يعني أنّ العرب لما جعلوا الشأم ظرفا بالتأويل الذي ذكرناه، كان الفرسخ والميل، وما أشبه ذلك أولى بالظرف؛ لأنه لكل مكان، والشأم أبعد من ذلك؛ لأنّه اسم مكان بعينه.