يعني: أن عمل الفعل في الحال، كعمل ما ينصب على طريق التمييز، وذلك أن الحال لا تكون إلا نكرة، والتمييز لا يكون إلا بنكرة ومعناهما متقارب، وذلك أنّك إذا قلت: " جاء زيد " فإن مجيئه يصلح أن يكون واقعا في حال من أحوال يمكن أن يكون له، فإذا قلت: " راكبا " فقد ميّزت هذه الحالة من سائر الأحوال المقدّرة، وإذا قلت " جاءني عشرون " يصلح أن يكونوا من أنواع كثيرة، فإذا قلت: " رجلا " بينت واحدا من الأنواع الممكنة، غير أنّ النوع المميّز غير الشيء المميّز، والحال هي اسم الفاعل والمفعول في حال وقوع الفعل، فهما مختلفان في أنفسهما، ومتقاربان في طريق نصيبهما.
ثم قال سيبويه: " ألا ترى أنه لا يكون إلا نكرة، كما أن هذا لا يكون إلا نكرة "
يعني: لا تكون الحال إلا نكرة، كما لا يكون التمييز إلا نكرة.
ثم قال: " ولو كان هذا بمنزلة الثّوب وزيد في: كسوت لما جاز في ذهبت راكبا، لأنه لا يتعدى إلى مفعول ".
يعني: لو كان الحال بمنزلة الثوب لما جاز ذهبت راكبا، ما لا يجوز: " ذهبت الثّوب و " ذهبت زيدا ".
ثم قال: " وإنما جاز هذا لأنه حال وليس معناه كمعنى الثوب وزيد، فعمل كعمل غير الفعل ولم يكن أضعف منه، إذ كان يتعدّى إلى ما ذكرت من الأزمنة والمصادر ونحوه ".
يريد: إنما جاز تعدّي الفعل إلى الحال، وإن كان الفعل لا يتعدّى إلى مفعول كما يعمل غير الفعل وهو " عشرون درهما " ونحوه، " ولي مثله رجلا "، ولم يكن الفعل في تعدّيه إلى الحال بأضعف من عمل العشرين في التميز؛ لأنّ الفعل يتعدّى إلى الظروف والمصادر وليس كذلك العشرون.
هذا باب الفعل الذي يتعدّى اسم الفاعل إلى اسم المفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد" فمن ثم ذكر على حدته، ولم يذكر مع الأوّل، ولا يجوز فيه الاقتصار على الفاعل، كما لم يجز في ظننت على المفعول الأول: لأنّ حالك في الاحتياج إلى الآخر هاهنا، كحالك في الاحتياج إليه ثمة، وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى ".