قال سيبويه: " وقد يجوز في الشّعر في ضعف من الكلام. حملهم على ذلك أنه فعل بمنزلة ضرب، وأنه قد يعلم إذا ذكرت زيدا، وجعلته خبرا أنه صاحب الصّفة على ضعف من الكلام ".
يريد أنه يجوز أن يجعل النكرة اسم كان والمعرفة خبرها في الشعر، وإن كان جوازه في الكلام ضعيفا، والذي حملهم على ذلك أنّهم قد جعلوا (كان) فعلا بمنزلة " ضرب ". وقد يجوز أن يكون فاعل ضرب منكورا، ومفعوله معروفا، وسوّغ أيضا في كان أن الاسم فيها هو الخبر، فإذا قلت: " كان قائم زيدا " فزيد هو القائم الذي قد نكرته، فتعرّف المنكور بتعريفك زيدا؛ إذ كانا لشيء واحد، فكأنّك تعرّف المخبر عنه بمعرفة خبره. وكان ضعفه أنك لم
تعرف بنفسه، وحكم الاسم يعرّف بنفسه، ثم يستفاد خبره.
واستشهد سيبويه على ذلك بقول خداش بن زهير:
فإنّك لا تبالي بعد حول
… أظبي كان أمّك أم حمار (1)
وبقول حسان بن ثابت:
كأنّ سلافة من بيت رأس
… يكون مزاجها عسل وماء (2)
وقول أبي قيس بن الأسلت الأنصاري:
ألا من مبلغ حسّان عنّى
… أسحر كان طبّك أم جنون (3)
وقول الفرزدق:
أسكران كان ابن المراغة إذ هجا
… تميما بجوف الشّام أم متساكر (4)
فأما البيت الأول، فقد ردّ على سيبويه الاستشهاد به؛ لأنّه جعله شاهدا لجعل النكرة اسما والمعرفة خبرا، واسم كان في هذا البيت: ضمير ظبي، والضمير معرفة، فحصل من هذا أن اسم كان وخبرها معرفتان، لأن الضمير معرفة، والأم معرفة.
وليس الأمر على ما ظنه الرادّون على سيبويه، وذلك أنّ الذي أحوج أن يكون الاسم معروفا تبيين المخبر عنه للمخاطب حتى لا يلتبس عليه ويستفيد خبره على ما