وانتقاض معناها لا يبطل عملها، كما أن " كان " للإيجاب وقد تدخل عليها حروف النفي، فيبطل معنى الإيجاب، ولا يبطل العمل كقولك: " ما كان زيد ذاهبا "، نفيت ذهابه، ونصبت كما تنصب في قولك: " كان زيد ذاهبا " وليست " ما " كذلك؛ لأنها أضعف من " ليس ".
قال سيبويه: (وزعموا أن بعضهم قال: وهو الفرزدق: (1)
فأصبحوا قد أعاد نعمتهم
… إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر)
قال أبو سعيد: حكى سيبويه أن بعض الناس نصب " مثلهم " وجعله على وجه الخبر في هذا البيت. ثم استبعد، وقال: (هذا لا يكاد يعرف).
إلا أنه حكى ما سمع.
وهذا التأويل في هذه الرواية، يوجب جواز " ما قائما زيد "، وهذا بعيد جدا.
وقد رد هذا التأويل على سيبويه. فقيل له: قد علمنا أن الفرزدق من بني تميم، وقد علمنا أن بني تميم يرفعون الخبر مؤخرا فكيف ينصبونه مقدما؟ فقال المحتج عن سيبويه:
يجوز أن يكون الفرزدق قد سمع أهل الحجاز ينصبونه مؤخرا وفي لغة الفرزدق لا فرق بين التقديم والتأخير؛ لأنه يرفع مقدما ومؤخرا، فظن الفرزدق أن أهل الحجاز لا يفرقون بين الخبر مقدما ومؤخرا. فاستعمل لغتهم فأخطأ، وفي نصب " مثلهم " وجهان آخران:
أحدهما: أن يكون تقديره، وإذ ما في الدنيا بشر مثلهم فيكون " بشر ": مبتدأ، " ومثلهم ": نعتا له، و " في الدنيا ": هو الخبر، فلما قدمت " مثلهم "، نصبته على الحال كقولك: " في الدار قائما رجل " كما قال:
لميّة موحشا طلل
… يلوح كأنه خلل (2)
فكأنه قال: وإذ ما في الدنيا مثلهم بشر.
والوجه الثاني: أن يكون " مثلهم " منصوبا على الظرف: وإذ ما في حالهم وفي