قال " أتيتك لتكرمني " وإنما المعنى " أتيتك لأن تكرمني "، كذلك " كي " في هذا القول إذا قلت: " أتيتك كي تكرمني " والمعنى: كي أن تكرمني والدليل على ذلك قول " جميل " في إحدى الروايتين:
فقالت أكلّ الناس أصبحت مانحا
… لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا (1)
ويروى: " لسانك هذا كي تغر وتخدعا ".
و" ما " زائدة في إنشاد من أنشده " كيما أن ".
وروى " أبو عبيدة " عن " الخليل " أنه قال: لا ينتصب شيء من الأفعال المضارعة، إلا بأن مضمرة أو مظهرة، في: كي، وإذن، ولن، وغير ذلك، فاعرفه إن شاء الله.
وأما " إذن " فإنها إذا وقعت أولا نصبت، وإنما ينصب بها لأنها تكون جوابا، وما بعدها مستقبل لا غير، وذلك إذا قال لك إنسان: أنا أودّك. قلت: " إذن أكرمك " وإنما أردت إكراما توقعه في المستقبل، فصارت بمنزلة " أن " في وقوعها للمستقبل من الأفعال، إلا أنّ " إذن " لها ثلاثة أحوال:
حال تعمل (فيه) لا غير، وحال يجوز إعمالها وإلغاؤها، وحال يقبح إعمالها.
فأما الحال التي تعمل (فيه) لا غير، فأن تقع مبتدأة، ليس قبلها ما يعتمد عليه ما بعدها، مثل قولك: إذن أكرمك، إذن أسرّك قال الشاعر:
أردد حمارك لا تنزع سويته
… إذن يردّ وقيد العير مكروب (2)
وأما الحال التي يجوز إعمالها وإلغاؤه فأن يكون قبلها واو أو فاء، وذلك قولك:
" أنا أخوك فإذن أذبّ عنك، وأذبّ عنك ".
وكذلك قال الله عز وجل: وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (3)، وفي قراءة ابن مسعود: " لا يلبثوا " فشبّه أصحابنا " إذن " في الحروف الناصبة ب " ظننت " وأخواتها في الأفعال العاملة، وذلك أن " ظننت " متى قدمت على مفعوليها عملت لا غير، كقولك:
" ظننت زيدا قائما " وإذا قدم عليها المفعولان أو أحدهما فيها جاز الإعمال والإلغاء جميعا، وكذلك (إذن) إذا قدمت عملت لا غير، وإذا تقدمتها الواو والفاء جاز فيها