بمنزلة " ليس "، وقد قدمنا في " ليس " أنه لا يجوز أن يليها منصوب بغيرها. وأما على لغة بني تميم فجائز أن تقول: " ما زيدا أنا ضارب "؛ لأنهم لا يعملونها فتصير بمنزلة قولك:
" أما زيدا فأنا ضارب "، وكقولك في المبتدأ: " زيدا أنا ضارب ".
وقال مزاحم العقيلي:
وقالوا تعرّفها المنازل من منّي
… وما كلّ من وافى منّي أنا عارف (1)
وقال بعضهم:
وما كلّ من وافى مني أنا عارف
لزم اللغة الحجازية، فرفع كأنه قال: " ليس عبد الله أنا عارف ".
قال: (فأضمر الهاء في " عارف "، وكان الوجه: أنا عارفه، حيث لم يعمل " عارف " في " كل "، وكان هذا أحسن من التقديم والتأخير؛ لأنهم يدعون هذه الهاء في كلامهم وفي الشعر كثيرا، وليس ذلك في شيء من كلامهم، ولا يكاد يكون ذلك في شعر، وسترى ذلك إن شاء الله تعالى).
واعلم بأن البيت يروى بنصب " كل "، وبرفعه.
فأما من نصب " كلا "، فقد جعل " ما " تميمية، وأبطل عملها، ونصب " كلا " " بعارف ". ومن رفع " كلا "، جعل " كلا " اسم " ما "، على لغة أهل الحجاز، ورفع " كلا " ب " ما "، وجعل " أنا عارف " في موضع الخبر، وأضمر الهاء في " عارف "، حتى يكون في الجملة ما يعود على الاسم، فيصح أن يكون خبرا، كأنه قال: " أنا عارف "، وفي لغة بني تميم إذا رفع " كل "، رفع بالابتداء، و " أنا عارف خبر وفيه الهاء.
وقوله: (وكان هذا أحسن من التقديم والتأخير).
يعني: أن رفع " كل " ب " ما " على لغة أهل الحجاز، وإضمار الهاء في خبرها أحسن من أن ينصب " كلا " ب " عارف " في لغتهم فيولي " ما " منصوبا بغير " هاء "؛ لأن حذف إضمار الهاء من الخبر كثير، وليس إيلاء " الناصب " منصوبا بغيره في شيء من الكلام.
وسترى حذف الهاء من الخبر- فيما بعد- إن شاء الله تعالى.