عظّمه غيره، فصار بما عظموه عظيما، وهو تبارك وتعالى عظيم، لا بأحد أصاره إلى العظمة.
وفيه وجه رابع: وهو أن الألفاظ الجارية منا على معان، لا تجوز على الله تعالى، فإذا رأينا تلك الألفاظ مجراة عليه حملناها على ما يجوز في صفاته ويليق به. ألا ترى أن الامتحان منا والاختبار إنما هو بمنزلة التجربة، وإنما يمتحن ويختبر منا من يريد أن يقف على ما يكون، وهو غير عالم به، والله تعالى يمتحن، ويختبر ويبلو بمعنى الأمر، لا بمعنى التجربة، وهو عالم بما يكون.
ومن ذلك أن " لعل " يستعمله المستعمل منا عند الشك، وإذا جرى في كلام الله، فإنما هو بمعنى " كي " و " كي " يقع بعدها الفعل الذي هو غرض ما قبله كقوله تعالى:
وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (1) معناه: كي تفلحوا. فالفلاح هو الغرض الذي من أجله أمرهم بالتوبة. ومثل هذا كثير.
فيكون قولنا في الله: " ما أعلمه، وما أعظمه " بمنزلة الإخبار منا بأنه عظيم، ولا يقدر فيه شيء أعظمه، وإن كان تقديره في غيره على ما ذكرنا من الجواب الرابع.
وقال الفراء ومن تابعه من الكوفيين: إن قولنا: " ما أحسن عبد الله "، أصله " ما أحسن عبد الله "، وأن " أحسن " اسم كان مضافا إلى " عبد الله "، وكان المعنى فيه الاستفهام. ثم إنهم عدلوا عن الاستفهام إلى الخبر، فغيروا " أحسن " ففتحوه، ونصبوا " عبد الله "، فرقا بين الخبر والاستفهام.
وهذا قول لا دليل عليه، وهو أيضا يفسد؛ لأنه يقال: بأي شيء نصبت أحسن، و " ما " هي مبتدأه، و " أحسن " خبرها، وهو اسم، وحكم الاسم المبتدأ إذا كان خبره اسما مفردا أن يكون مرفوعا مثله، والتفريق بين المعاني لا يوجب إزالة الإعراب عن وجهه، ومن ذلك أنا نقول: " ما أحسن بالرجل أن يصدق "، ولو كان أصله الإضافة لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه " بالياء "، ألا ترى أنا نقول: " ما أحسن بالرجل الصدق ".
واحتج القائل بأن " أحسن " اسم بقول العرب: " ما أحيسن زيدا " كما قال الشاعر: