الظاهر تفسيره، كقولك: " أزيدا ضربته "، و " أعمرا مررت به "، و " أزيدا ضربت أخاه "، ويكون التقدير فيه: " أضربت زيدا ضربته "، و " ألقيت زيدا مررت به "، و " ألابست زيدا ضربت أخاه "، والنصب هو الاختيار، ويجوز الرفع على أن تجعله مبتدأ وما بعده خبرا.
وإنما صار الاختيار النصب، من قبل أن الاستفهام في الحقيقة إنما هو عن الفعل لا عن الاسم؛ لأن الشك فيه، ألا ترى أنك إذا قلت: " أزيدا ضربته "، فإنما تشك في الضرب الواقع به، ولست تشك في ذات " زيد "، فلما كان حرف الاستفهام إنما دخل للفعل لا للاسم، كان أولى في الاختيار أن يلي حرف الاستفهام الفعل الذي دخل من أجله، وإنما جاز دخوله على الاسم، ورفع الاسم بعده على الابتداء والخبر؛ لأن الابتداء والخبر قبل دخول الاستفهام يوجب فائدة، وإذا استفهمت فإنما تستفهم عن تلك الفائدة.
قال سيبويه: (ذلك أن من الحروف حروفا لا يذكر بعدها إلا الفعل، ولا يكون الذي يليها غيره، مظهرا أو مضمرا).
قال أبو سعيد: اعلم أن الحروف على ثلاثة أضرب: منها ما لا يليه إلا الاسم، ومنها ما لا يليه إلا الفعل، ومنها ما يليه الاسم والفعل جميعا.
فأما ما لا يليه إلا الاسم، فنحو: " إنّ " وأخواتها، ولا نحتاج إلى ذكرها في هذا الباب.
وأما ما لا يليه إلا الفعل، فهو على ضربين:
ضرب لا يحسن إيلاء الاسم إياه، وحذف الفعل منه، ولا يقدم الاسم فيه على الفعل.
وضرب يحسن أن يحذف منه الفعل، ويليه الاسم في الظاهر، والفعل مقدر في النية، فأما الضرب الذي لا يحسن حذف الفعل منه فنحو: " قد، وسوف، ولم، ولما "، لا يحسن أن تقول: " لم زيدا أضرب "، ولا " قد زيدا "، على تقدير: لم أضرب زيدا؛ وقد ضربت زيدا، ولا يحسن أيضا فيه التقديم والتأخير، فتقول: " قد زيدا ضربت، ولم زيدا أضرب "، وذلك لأن " قد، وسوف " مع الفعل بمنزلة الألف واللام مع الاسم؛ لأن " سوف " تقصر الفعل على زمان دون زمان، فهي بمنزلة التعريف، و " قد " توجب أن يكون الفعل متوقعا، وهو يشبه التعريف أيضا. فإذا كان الألف واللام اللتان للتعريف لا يفصل بينهما وبين المعرّف كان هذا مثله.