وأما " كم " فللسؤال عن العدد وقد تنتقل فتكون بمعنى " ربّ ".
وأما " هل ": فقد تكون بمعنى " قد " كقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (1) في معنى: قد أتى على الإنسان، وقال الشاعر:
سائل فوارس يربوع بشدّتنا
… أهل رأونا بسفح القفّ ذي الأكم
فأدخل الاستفهام عليها، وغير جائز أن يدخل استفهام على استفهام.
ولا يستفهم بها في جميع المواضع، لو قال قائل: " رأيت زيدا "، فأردت أن تستثبت جاز أن تقول: " أزيدا رأيته؟ "، ولا يجوز أن تقول: " هل زيدا رأيته ".
فقد تبين أن الألف أعم في الاستفهام من غيرها، فتوسعوا فيها بأكثر مما توسعوا في غيرها، فلم يستقبح أن يكون بعدها ابتداء وخبر، واستقبح ذلك في غيرها من حروف الاستفهام لقلة تصرفها في موضع الألف، وبدءوا بالفعل الذي حكمه أن يقدم.
قال: (فإن اضطر شاعر فقدم الاسم نصب كما كان فاعلا ذلك " بقد " ونحوها).
يعني: إن اضطر شاعر فقال: " هل زيدا رأيت "، أو " هل زيدا رأيته "، نصب الاسم، وأما في قوله: " هل زيدا رأيت "، فتنصبه " برأيت "، وأما في قوله: " هل زيدا رأيته " فتنصبه بإضمار فعل يكون هذا تفسيره، كأنه قال: " هل رأيت زيدا رأيته ".
قال: (وهو في هذه أحسن لأنه يبتدأ بعدها الأسماء).
يعني: تقديم الاسم في حروف الاستفهام أحسن من تقديمه في " قد "؛ لأن حروف الاستفهام يليها المبتدأ والخبر، كقولك: " هل زيد منطلق "، وقد لا يليها إلا بالفعل.
قال: (وإنما فعلوا ذلك في الاستفهام؛ لأنه كالأمر في أنه غير واجب، وإنما تريد من المخاطب أمرا لم يستقر عند السائل).
أراد أن الاستفهام يشبه الأمر، وذلك أنك تستفهم عن أمر يجوز أن يكون عندك موجودا، ويجوز أن يكون معدوما، وتأمر بشيء يجوز أن يفعل، ويجوز ألا يفعل، فلما كان الأمر لا يكون إلا بفعل، اختاروا أن يكون الاستفهام بالفعل.
قال: (ألا ترى أن جوابه جزم؛ فلهذا اختير النصب، وكرهوا تقديم الاسم، لأنها حروف ضارعت بما بعدها ما بعد حروف الجزاء، وجوابها كجوابه، وقد يصير معنى