تعالى: وَالنَّهارَ مُبْصِراً (1) أي يبصر فيه، وتحقيقه من جهة النحو: أرواح ذو توديع، فبني له من المصدر الذي يقع فيه اسم فاعل، وإن لم يكن جاريا على الفعل، كما قالوا:
" رجل رامح وناشب " على معنى ذو رمح ونشّاب.
قال أبو الحسن: تقول: " زيدا فاضرب " وبعده كلام قد أتينا عليه.
قال سيبويه: (واعلم أن الدعاء بمنزلة الأمر والنهي، وإنما قيل دعاء؛ لأنه استعظم أن يقال أمر ونهي، وذلك قولك: اللهم زيدا فاغفر ذنبه، وزيدا فأصلح شأنه، وعمرا ليجزه الله خيرا. قال أبو الأسود الدؤلي:
أميران كانا آخياني كلاهما
… فلا جزاه الله عنّ بما فعل) (2)
اعلم أن جمهور النحويين لا يسمون مسألة من هو فوقك أمرا وإنما يسمونها مسألة أو دعاء، وينكرون تسمية ذلك أمرا، وللأخفش بعينه احتجاج طويل، ورأيت بعض أهل النظر يسميه أمرا، ويزعم أن ذلك جائز في الكلام والشعر وأنشدنا فيه بيتا يروى لعمرو بن العاص، يخاطب فيه معاوية:
أمرتك أمرا جازما فعصيتني
… وكان من التوفيق فقدان هاشم (3)
فزعم عمرو أنه أمر " معاوية "، ومعاوية فوقه، قيل له: يجوز أن يكون عمرو رأى نفسه من طريق المشورة، وحاجة معاوية إليه في رأيه أنه فوقه في هذا الباب، واحتج أيضا بقول الله تعالى: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (4) وزعم أن الطاعة إنما تكون للآمر، وليس أحد في القيامة يسأل غير الله تعالى، وليس لهم في هذا حجة؛ لأن نفي الطاعة لا يدل على أن ثمّ آمرا لم يطع، وإنما المعنى أنهم لا يؤمرون، وأنه لا أمر فيطاع، كما قال: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (5)، وليس ثمّ شفاعة لهم، وإنما المعنى لا شفاعة لهم فتنفع، مثله قول أبي ذؤيب: