" وأذهبته " إذا نحيته وأزلته، ويجوز أن تكون معه، ويجوز ألا تكون معه، وقد ردّ عليه ذلك بقوله: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ (1) على معنى أزاله لا غيره؛ لأن الله لا يجوز عليه التغير، وقال امرؤ القيس:
كما زلّت الصفواء بالمتنزل (2)
على معنى أزلّته ولم تزلّ الصفواء.
قال ومن ذلك أيضا البدل مما هو منقول: (ميّزت متاعك بعضه من بعض وأوصلت القوم بعضهم إلى بعض).
لأنك تقول: وصل القوم بعضهم إلى بعض فأما " ميزت " فالأصل الذي وقع منه النقل ماز متاعك بعضه من بعض، غير أنه لا يستعمل " ماز " الذي نقل عنه " ميّزت "، وإنما يستعمل " ماز " الذي في معنى " ميّزت " متعديا، كما قال الله
تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (3) في معنى ليميّز.
قال: (ومثل ذلك " صككت الحجرين أحدهما بالآخر " على أنه منقول من اصطك الحجران أحدهما بالآخر).
يعني إذا قلت: اصطك الحجران أحدهما بالآخر، " فأحدهما " بدل من " الحجران ".
قال أبو سعيد: اعلم أن من الأفعال فعل المطاوعة، وهو ضد النقل، وذلك أن النقل يصير الفاعل فيه مفعولا ويؤتى بفاعل آخر على ما وصفنا، وفعل المطاوعة يحذف منه الفاعل، ويصير المفعول فاعلا، فهما في الطرفين، تقول: " كسرت القلم " و " انكسر القلم " و " شققت الثوب " و " انشق الثوب " فحذفت الفاعل وجعلت المفعول فاعلا.
وعلى هذا تقول: " صككت الحجرين أحدهما بالآخر "، وفعل المطاوعة من ذلك:
اصطك الحجران أحدهما بالآخر؛ لأنك جعلت المفعول فاعلا فمنزلة فعل المطاوعة من الفعل الأصلي كمنزلة الفعل الأصلي من فعل النقل؛ لأنك إذا رددت فعل المطاوعة إلى الأصل صيرت الفاعل مفعولا، وجئت بفاعل آخر، فجعل سيبويه " صككت الحجرين