المقصود، ألا ترى أنك لو قلت: أأسود زيد؟ أم أبيض؟ أم أشقر؟ جاز أن يكون على لون خلاف هذه الثلاثة، فلا يجب على المسؤول إجابتك عنه ولا شرحه لك؛ لأنك لم تأت بلفظ يقتضي جوابه، فجاءوا بكيف مشتملة على الأحوال كلها جملة وتفصيلا، ووقعت موقع الحال متضمنة ألف الاستفهام فوجب بناؤها على السكون والتقى في آخرها ساكنان: الياء والفاء، فحركوا الفاء إلى الفتح استثقالا للياء والكسرة، وقد بيّنا هذا مستقصى في أين.
فإن قال قائل: أليس إذا قلنا: أين زيد؟ وجب على المسؤول أن يخبر عن مكانه الذي هو فيه لا يجزم شيئا مما اشتملت عليه المسألة إذا أراد أن يوفيها حقها.
قيل له: نعم، فإن قال: فينبغي إذا قيل: كيف زيد، أن يجيبه عن أحواله التي هو عليها في وقت المسألة، لأن له أحوالا كثيرة، قيل له قد- لعمري- يجب ذلك في ظاهر المسألة كما وجب في " أين "، وكما يجب في " متى "، إلا أن الشيء لا يكون له إلا مكان واحد في حال المسألة، وكذلك لا يكون له إلا وقت واحد في حال المسألة، فالجواب منه يمكن غير متعدد ولا مستثقل، ويكون له أحوال كثيرة لا يأتي المحصي على تعدادها في حالة واحدة إلا بعد طول ومشقة، ألا ترى أنه في وقت واحد: أسود طويل صحيح متكلم سميع بصير؛ وغير ذلك من الأحوال، ولا يكون في حال واحد في السوق وفي المسجد، ولا يحدث الشيء الواحد في زمانين مختلفين حدوثا واحدا، فيجب أن يكون
الجواب لكيف ما يقّر المسؤول أنه غرض السائل من أحوال المسؤول عنه.
فإن قال قائل: ألستم تقولون: من أين جئت؟ وإلى أين تذهب؟ وكذلك: منذ متى؟
وإلى متى؟ فتدخلون حروف الجر على الأسماء المستفهم بها، فلم امتنع دخول ذلك على كيف؛ فتقولون: من كيف، وإلى كيف، فالجواب في ذلك- وبالله التوفيق- أن " أين " لما كانت استفهاما عن الأمكنة ونائبة عن اللفظ بها، وكنا متى ذكرنا الأمكنة جاز أن يدخل عليها الحروف فنقول: أمن السوق جئت أم من البيت؟ وإلى السوق تذهب أم إلى المسجد؟ جاز أن تدخلها على ما قام مقام هذه الأشياء التي يجوز دخول الجر عليها، وكذلك سائر الأشياء المستفهم بها، هي نائبة عن أسماء تدخل عليها حروف الجر فجاز أن تدخل الحروف عليها هي.
وأمّا " كيف " فإنما هي مسألة عن الأحوال، والأحوال لا يجوز دخول حروف الجر