وأما الاختيار للألف واللام فيه؛ فمن قبل أنه قد كان " الوجه " معرّفا بالإضافة إلى الهاء التي هي ضمير الأول فلما
نزعوا ذلك الضمير، وجعلوه فاعلا مستكنا في الأول جعلوا مكانه ما يتعرف به، وهو الألف واللام.
وأما الذي قال: " مررت برجل حسن الوجه " فإنه ترك الاختيار حين ترك الإضافة، وأتى بالتشبيه باسم الفاعل الذي يوجب النصب.
ومن قال: " مررت برجل حسن وجه " فقد أتى بأحد وجهي الاختيار وهو الإضافة، وحذف الألف واللام؛ استغناء بعلم المخاطب أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه.
ومن قال: " مررت برجل حسن وجها " ففيه وجهان: أحدهما أنه أعمل " حسن " في الوجه كما يعمل " ضارب " في " زيد " إذا قلت: " هذا ضارب زيدا "، والوجه الثاني: أن يكون على التمييز كما تقول: " هو أحسن منك وجها "، و " ما في السماء موضع راحة سحابا ".
واعلم أن المضاف في هذا الباب لا يكتسب بالإضافة تعريفا إذ كانت النية فيه التنوين، فلذلك جاز أن تدخل الألف واللام على المضاف، فيقال: " مررت بالرجل الحسن الوجه " فيعرّف " الحسن " بالألف واللام لا بالإضافة.
فإن قال قائل: يلزمكم على هذا أن تقولوا: " مررت بالرجل الضارب زيد " لأنكم إذا قلتم: " مررت برجل ضارب زيد "، وعنيتم المستقبل والحال لم يكن " ضارب " متعرفا بزيد، فإذا احتجتم إلى تعريفه، أدخلتم عليه الألف واللام كما أدخلتموها على " الحسن ".
قيل له: بينهما فرق، وطريقهما مختلف، فمن ذلك أن " حسن الوجه " إنما هو مأخوذ من فعل ماض، وأمر مستقر، وإذا كان " ضارب " في مذهب " حسن " من المضي وجبت إضافته، وتعرّف بما يضاف إليه.
ومنها أن الأصل في " حسن " والأولى به الجر، الذي لا يوجب له تعريفا، فإذا أدخلنا عليه الألف واللام لتعريفه تركناه على ما هو حقيق به.
والأصل في " ضارب " التنوين؛ لأنه يجري مجرى الفعل، وإنما يضاف تخفيفا، فإذا أدخلنا عليه الألف واللام، جرى مجرى الفعل المضارع، وإنما يضاف تخفيفا؛ فإذا أدخلنا الألف واللام عليه جرى على أصله الذي يوجبه له القياس؛ لبطلان التخفيف الذي يلتمس بحذف التنوين.