تذكر الغاية التي منها بدأ المفضل راقيا في الفضل، وذلك بمن فإن أظهرتها فهو حق الكلام، وإن حذفتها فلعلم المخاطب أن التفضيل لا يقع إلا بها.
قال سيبويه: " وإن شئت أخرت الفصل في اللفظ وأصله التقديم ".
يعني إن شئت قلت: " هو أفضل أبا منك " والفصل هو: " منك " لأنها فصلت ما قبلها من الإضافة إلى ما بعدها، أعني أنك إذا قلت: " هو أفره منك عبدا " لو حذفت " منك " وجب إضافة أفضل إلى ما بعده كقولك: " هو أفضل عبد " على
خلاف معنى " من "، فإذا جئت بها فقد منعت الإضافة، وفصلت الأول من الثاني.
وقوله: " وأصله التقديم " يعني أن أصل " منك " أن تكون مقدمة على التفسير، وذلك أن التفسير إنما يجيء بعد تمام المفسّر، وهي من تمامه؛ لأنها الدالة على موضع التفضيل، فهي من تمام أفضل، والتفسير تبيين الأفضل، فهذا معنى قوله: " وأصله التقديم "؛ يعني أصل الفضل الذي بيناه.
قال سيبويه: " لأنه لا يمنعه تأخيره عن عمله مقدما ".
يعني أنك إذا قدمت " منك " أو أخرته فهي فاصلة داخلة بمعنى التفضيل وقد عمل " أفضل " فيه وفي التفسير جميعا، فلك أن تقدم أيهما شئت، وإن كان أصل التقديم للفصل، كما أنك إذا قلت: " ضرب زيدا عمرو " جاز وإن كان الأصل فيه تقديم عمرو، وجاز تأخيره لأنه لا يحوّل المعنى عما كان عليه مقدما.
قال سيبويه: " كما قال ضرب زيدا عمرو، فعمرو مؤخر في اللفظ مبدوء به في المعنى، وهذا مبدوء به في أنه يثبت التنوين ".
يعني أن " منك " مبدوء به قبل التفسير، وهو الذي جلب التنوين ومن أجله دخل الكلام وإن كان مؤخرا في اللفظ، لأن دخوله يوجب التنوين، وموضعه التقديم فمن حيث جاز أن تقدم المفعول على الفاعل، بنية التأخير، جاز أيضا تقديم التفسير على " منك " بنية التأخير، وإنما جاز ذلك فيهما، لأن كل واحد منهما لا يخل به تأخيره عن موضعه في المعنى الذي له دخل في الكلام.
قال سيبويه: " وتعمل ".
يعني أن " منك " تثبت التنوين، ثم تعمل الاسم المنون في التفسير الذي بعده بالتنوين الذي فيه، أو بتقدير التنوين، لأن قولك: " أفضل منك أبا " ففي أفضل التنوين مقدر، وهو