وذلك نحو: " تفعّل وافتعل "، وتقول: كسّرته فتكسّر، وقطّعته فتقطّع، وفقّأته فتفقّأ، وصبّبته فتصبب.
وقد يجيء على غير ذلك تقول: تجبر الرجل وتكبر وليس على قولك: جبرته فتجبر و " تجرّيت الشيء "، و " تعلقت الرجل " على غير معنى الانفعال؛ إذا كان متعديا، وكذلك " افتعل " نحو شغلته فاشتغل، وغررته فاغترّ، فهذا مثل الانفعال، وقد تقول:
" ارتبطته واشتريته "، كما تقول: ربطته وشربته على غير الانفعال ونحو ذلك.
فلما كان هذان المثالان قد يجريان مجرى الانفعال أو غيره، وكان الانفعال لازما لموضعه، غير متعدّ بحال كان
قوله: " تفقأت " هو مطاوعة " فقأت " و " امتلأت " مطاوعة " ملأت "، وقد بينّا أن المطاوعة إنما هي قبول فعل الفاعل كالانفعال الذي بينّاه.
اعلم أن " تفقأت " و " امتلأت " اللذين ذكرهما لا معنى لتعديهما؛ إذ كانا بمنزلة الانفعال في هذا الموضع، فلا يجوز أن يتعديا، كما لا يتعدى " انفعل " الذي هو مثل " انكسر " " واندفع " من كسرته ودفعته.
فإن قال قائل: فلم زعمتم أنهما مثلان في هذا الباب؟ فالجواب في ذلك: أنك تقول: " ملأته فامتلأ " و " فقأته فتفقأ "، كما تقول: " كسرته فانكسر، ودفعته فاندفع " فهذا حجة فساد تعدّي هذه الأفعال؛ إذ كانت على ما وصفنا مع ما تقدم من الاعتلال لذلك.
قال سيبويه: " ومثله: دحرجته فتدحرج ".
يعني: مثله في فعل المطاوعة، فيكون " دحرجته " مثل " ملأته "، و " تدحرج " مثل " امتلأ "، ولا يتعدى إذ كان معناه الانفعال.
قال سيبويه: " وإنما أصله امتلأت من الماء، وتفقأت من الشحم، فحذف هذا استخفافا ".
يعني: أن قوله: امتلأت ماء، وتفقأت شحما، إنما هو امتلأت من الماء، وتفقأت من الشحم، والماء والشحم هاهنا جنسان بمنزلة عشرين من الدراهم، فإذا حذفت " من " نقلت الجنس إلى واحد منكور شائع فيه، فقلت: امتلأت ماء وتفقأت شحما كما قلت: " عشرون درهما "، وتفسيره تفسير العشرين.
قال سيبويه: " وكان الفعل أجدر أن يتعدى؛ إذا كان عشرون ونحوه يتعدى وهو في أنهم قد ضعفوه مثله ".