" ثلاث نسوة " و " عشر نسوة " و " ثلاثة رجال " و " عشرة رجال " فإن قال قائل: لم أثبتوا الهاء في المذكر ونزعوها من المؤنث؟ ففي ذلك جوابان: أحدهما: أن الثلاث من المؤنث إلى العشر مؤنثات الصيغة، فالثلاث مثل: " عناق "، وأربع مثل: " عقرب " وكذلك إلى العشرة، قد صيغت ألفاظا للتأنيث، مثل عناق، وأتان، وعقرب، وقدر، وفهر، ويد، ورجل، وأشباه لذلك كثيرة، فصيغت هذه الألفاظ للتأنيث، فصارت بمنزلة ما فيه علامة التأنيث، وغير جائز أن تدخل هاء التأنيث على مؤنث تأنيثه بعلامة أو غيرها، وهذا القول يوجب أنه متى سمي رجل بثلاث لم تصرفه في المعرفة؛ لأنها قد صار محلها محل عناق، إذا سمي بها رجل.
وأما الثلاثة إلى العشرة في المذكر، فإنما دخلت الهاء فيها لتأنيث الجماعة ولو سمي رجل بثلاث من قولك: " ثلاثة " لانصرف في المعرفة والنكرة؛ لأنه يصير محلها: محل " سحابة " و " سحاب "، وإذا سمي رجل بسحاب انصرف في المعرفة والنكرة.
والقول الثاني: أنه فصل بين المذكر والمؤنث بالهاء، ونزعها يدل على تأنيث الواحد وتذكيره.
فإن قال قائل: فهلا أدخلوا الهاء في المؤنث، ونزعوها من المذكر؟
فالجواب أن المذكر أخف في واحده من المؤنث، فثقل جمعه بالهاء وخفف جمع المؤنث؛ ليعتدلا في الثقل.
وفي الفرق بينهما وجه آخر، قاله بعض البصريين، وهو أنه قد تلحق الهاء في جمع المذكر في الموضع الذي تسقط
فيه من المؤنث، كقولهم: " عناق " و " ثلاث أعنق "، و " عقاب " و " ثلاث أعقب " ثم قالوا: غراب، و " ثلاثة أغربة "؛ لأن العقاب مؤنث، والغراب مذكر.
وقد فرق بينهما بعض الناس بمثل هذا المعنى من غير هذا الطريق، فقال: لما قالت العرب: قرد وقردة، وقردة وقرد حملوا " الثلاث " إلى " العشر " على ذلك، فأثبتوا فيما واحده مذكر الهاء، كما أثبتوا الهاء في " قردة " حين كان واحدها مذكرا فاعرفه إن شاء الله تعالى.
واعلم أن " الثلاثة " إلى " العشرة " من حكمها أن تضاف إلا أن يضطر الشاعر، فينون وينصب ما بعدها، فيقول: " ثلاثة أثوابا " ونحو ذلك، والوجه ما ذكرناه من