ومنها أن تعلم أن الاسم الذي يستفهم به، إذا كان له موضع من رفع أو نصب أو جر، فجوابه يكون على لفظ ما
يستحقّ الاستفهام، وعلى تقدير عامله الذي عمل فيه كقولك: " كم رجلا جاءك " فتقول: " عشرون "، وذلك أن " كم " في موضع مبتدأ، وهو حرف الاستفهام و " جاءك " خبره، ورجلا على التمييز، والجواب: " عشرون " على لفظ كم مرفوع بالابتداء وتقديره " عشرون رجلا جاءني ".
وإذا قال: " كم رجلا رأيت " فالجواب: " عشرين "؛ لأن " كم " في موضع نصب برأيت.
وإذا قال: " بكم رجلا مررت " قلت: " ثلاثة رجال " فخفض؛ لأن " كم " في موضع خفض.
ومنها أن الظرف الذي يجوز إجراؤه مجرى الأسماء يجوز أن يقام مقام الفاعل مجازا؛ لأنا قد جعلناه بمنزلة " زيد " كقولك: " سير بزيد يوم طويل "، كما تقول: " ضرب بزيد الحائط "، فقد أقمت " اليوم " مقام الفاعل وجعلته كالأسماء الصحيحة. ومنها أن تعلم أن المقادير المضافة إلى الأنواع المميزة بها، حكمها حكم ما أضيفت إليه، وميزت به كقولنا: " سرت عشرة أيام "، فعشرة هي الظرف؛ لأنها مقدار أضيف إلى الأيام و " أيام " ظرف، و " سرت عشرين يوما "، " العشرون " ظرف؛ لأنها مقدار مميّز بظرف.
فتقول الآن: إن قول السائل: " كم صيد عليه " أرادكم يوما صيد عليه، فكم مبتدأ، وهو مقدار مميّز بظرف فهو إذن ظرف و " صيد عليه " خبره، وفي " صيد " ضمير يعود إلى " كم " قد أقيم مقام الفاعل، فصار ذلك الضمير بمنزلة سير عليه يوم طويل.
وقوله: ولم يجعل " كم " ظرفا. أراد لم يجعل ضمير " كم " الذي في " صيد " فعبّر بلفظ " كم " عن ضميره ولم يجعله ظرفا؛ لأنه قد أقامه مقام الفاعل، ثم أتى المجيب بنحو ما بنى السائل عليه كلامه، فجعل اليومين مرفوعين بصيد، ولم يجعلهما ظرفا، كما لم يجعل الضمير الذي في " صيد " ظرفا حين سأل، وهو مجاز واتساع؛ لأن " اليوم " لا يصاد، وإنما يصاد فيه كما قال:
أما النهار ففي قيد وسلسلة
… والليل في جوف منحوت من الساج (1)