بالرفع؛ فمن نصبه أوقع " عرفت " على " زيد "؛ لأن الاستفهام لم يقع عليه في اللفظ، وجعل ما بعده جملة في موضع الحال، ومن رفع- وهو أضعف الوجهين- يعمل فيه " عرفت "؛ لأن الاستفهام في المعنى واقع على " زيد ".
قال: " وتقول: قد عرفت زيدا أبو أيهم يكنى به ".
وإنما رفع: " أبو أيهم " لأنه شغل " يكنى " بضميره المتصل بالياء.
قال: ومثله: " الدرهم أعطيت " بنصب الدرهم، فإذا قلت: " الدرهم أعطيته " رفعت.
قال: وتقول: " أرأيتك زيدا أبو من هو " و " أرأيتك عمرا أعندك هو أم عند فلان ".
يعني أنه لا بد بعد قولك: " أرأيتك " من منصوب ثم تأتي بالاستفهام بعد ذلك المنصوب، فإن قال قائل: فهلا أجزتم رفعه؛ لأنه في المعنى مستفهم عنه كما أجزتم " علمت زيدا أبو من هو "؛ لأنه في المعنى مستفهم عنه؟ فأجاب سيبويه عن هذا، بأن قال:
إنّ " أرأيتك " لا تشبه " علمت "؛ لأن فيه معنى " أخبرني "، وأخبرني فعل لا يلغى، فلم يلغ " أرأيتك "، غير أنه وإن كان في معنى " أخبرني " فهو فعل يتعدى إلى مفعولين، لا يجوز الاكتفاء بأحدهما، فالمفعول الأول هو " زيد "، والمفعول الثاني: الجملة التي بعده، فقد جمع " أرأيتك " معنى " أخبرني " في ترك الإلغاء، ومعنى الرؤية رؤية القلب في التعدي إلى مفعولين، ثم عقب " سيبويه " بما يسدّ هذا المعنى. فقال: هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة " أخبرني ".
يعني: دخول معنى: " أخبرني " في: " أرأيتك " لم يمنعه من أن يكون له مفعولان، كما كان له قبل أن يدخل فيه معنى: " أخبرني " ومنعه هذا المعنى من أن يلغى، وقد قيل: أراد فدخول: " أخبرني " في " أرأيت " لم يجعله مقتصرا
به على مفعوله الأول، كما يجوز أن يقتصر على النون والياء في قولك: " أخبرني ".
وقال بعضهم: في النّسخ غلط، وإنما أراد أن يقول: بمنزلة " رأيت " في الاستغناء وذلك. أنك قد تقول: " علمت أبو من زيد " و " رأيت أبو من زيد " في معنى: " علمت "، فرأيت قد تستغني وتلغى، حتى لا تكون واقعة على مفعول، فإذا قلت: " أرأيت " وجب أن تقع على مفعول، ولم يله حرف الاستفهام.