أحدهما: أن قولك: حذرك إنّما هو: احذر وقد جعله سيبويه نهيا.
قال أبو العباس: " فإن قال قائل فمعنى احذر: لا تدن منه " قيل: وكذلك عليك معناه: لا يفوتنك، وكلّ أمر أمرت به فأنت ناه عن خلافه، وإذا نهيت عن شيء فقد أمرت بخلافه، فقد يجوز في الأمر أن يقال نهي وفي النهي أن يقال أمر على المعنى، فإذا كان كذلك فلا وجه للتفصيل الذي فصل به سيبويه بين الأمر والنهي.
والوجه الآخر: أنه وضع في هذا الباب ما لم يؤخذ من أمثلة الفعل، وحذرك مأخوذ من الحذر فهو خارج من هذا الباب؛ لأن هذا الباب عليك ودونك.
وليس الأمر على ما ردّه أبو العباس في الوجهين جميعا.
أما الوجه الأول فقد ذكرنا أن ألفاظا من ألفاظ الأمر الأكثر في عادة كلام الجمهور أن يقال: نهى وإن كان بلفظ الأمر كقولك: تجنب فلانا، واحذر فلانا، وابعد عن فلان فإنما يقال: نهاه عنه؛ فجرى سيبويه على اللفظ المعتاد.
وأما الوجه الآخر فإنما غرّ سيبويه في هذا الباب تفصيل المضاف من المفرد الذي قبله لأنه قد ذكر ظروفا وأسماء كلها مضافات، وقد ترجم الباب بقوله: بأسماء مضافة.
(وأما ما لا يتعدّى فقولك: مكانك، وبعدك إذا قلت: تأخّر، وكذلك عندك إذا كنت تحذّره شيئا من بين يديه أو تبصّره شيئا، وإليك إذا أردت تنحّ، ووراءك إذا قلت: افطن لما خلفك).
وقد ذكر سيبويه عندك فيما يتعدى، وقد ذكره فيما لا يتعدى وهذا غير مستنكر وذلك أنه قد يكون فعل واحد متعديا وغير متعدّ؛ كقولك: علقتك وعلقت بك وجئت زيدا وجئت إلى زيد.
قال: (وحدثنا أبو الخطاب أنه سمع من يقال له: إليك فيقول إليّ كأنه قيل له:
تنحّ فقال: أتنحّى، ولا يقال: دوني ولا عليّ هذا، إنما سمعناه في هذا الحرف وحده وليس لها قوة الفعل فتقاس).
اعلم أن هذه الأسماء والحروف التي تضمّنها هذا الفصل وما قبله من المفرد والمضاف لا يجوز أن تقع إلا في أمر المخاطب هذا حكمه وبابه، وذلك من قبل أنّ أمر المخاطب يقع بالفعل المحض من غير حرف يدخل عليه، وأمر الغائب لا يقع إلا بحرف ألا ترى أنك تقول: قم يا زيد ولا يجوز أن تقول: قم يا عمرو إذا كان غائبا وإنما تقول: