أبا خراشة إمّا أنت ذا نفر
… فإنّ قومي لم تأكلهم الضّبع (1)
فإنما هي (أن) ضمّت إليها (ما) للتوكيد، ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضا من ذهاب الفعل كما كانت الهاء والألف في: الزنادقة واليماني، ومثل: إن في لزوم ما قولهم: إمّا لا، فألزموها ما عوضا.
وهذا أحرى أن يلزموا فيه إذ كانوا يقولون: آثرا ما، فيلزمون " ما " شبّهوها بما يلزم من النونات في: لأفعلنّ، واللام في: إن كان ليفعل.
فإن كان ليس مثل وإنما هو شاذّ كنحو ما شبّه بما ليس مثله، فلما كان قبيحا عندهم أن يذكروا الاسم بعد أن، ويبتدئونه بعدها، كقبح: " كي عبد الله يقول ذلك " حملوه على الفعل حتى صار كأنّهم قالوا: " إذ صرت منطلقا فأنا أنطلق معك "، لأنها في معنى: إذ، وإذ في معناها- أيضا- في هذا الموضع، إلا أنّ إذ لا يحذف معها الفعل، وإمّا لا يذكر بعدها الفعل لأنه من المضمر المتروك إظهاره حتى صار ساقطا بمنزلة تركهم ذلك في النداء، وفي " من أنت زيدا "، فإن أظهرت الفعل قلت: " إمّا كنت منطلقا انطلقت "، إنما تريد إن كنت منطلقا انطلقت.
فحذف الفعل لا يجوز ههنا، كما لم يجز إظهاره؛ لأنّ " أمّا " كثرت في كلامهم واستعملت حتى صار كالمثل المستعمل، وليس كلّ حرف هكذا).
قال أبو سعيد رحمه الله: أمّا أنت منطلقا، اختلف فيه الكوفيون والبصريون مع إجماعهم على حذف الفعل.
فقال الكوفيون: هو بمعنى إن، وعندهم أنّ " أن " المفتوحة فيها معنى " إن " التي للمجازاة، وعلى ذلك يحملون: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (2).
ويحتجون بأنها تقرأ: " إن تضلّ ". بكسر " إن " والمعنى عندهم سواء.
وأما البصريّون: فالتقدير عندهم: " لأن كنت أنت منطلقا أنطلق معك "، أي: لهذا المعنى الذي كان منك في الماضي: أنطلق معك، ولذلك شبهها سيبويه ب " بإذ " وجعلهما