هذا باب ما أجري مجرى المصادر المدعوّ بها من الصفات(وذلك قولك: هنيئا مريئا، وليس في الباب غير هذين الحرفين صفة دعائها، وذلك أنّ هنيئا مريئا صفتان، لأنك تقول: هذا شيء هنيء مريء كما تقول: هذا جميل صحيح، وما أشبه ذلك من الصفات على فعيل فدعي بهما للإنسان وليستا بمصدرين، ولا هما من أسماء الجواهر كالتراب والجندل).
فأفرد لهما بابا آخر، ويكون التقدير في نصبهما كأنه قال: ثبت لك ذلك هنيئا مريئا، وذلك لشيء تراه عنده مما يأكله وممّا يستمتع به أو يناله من الخير، فاختزل الفعل وجعل بدلا من اللفظ بقولهم هنأك، ويدل على ذلك أنّه قد يظهر " هنأك " في الدّعاء.
قال الأخطل:
إلى إمام تغادينا فواضله
… أظفره الله فليهنئ له الظّفر (1)
فدعا له بيهنئ، والظفر فاعله، وصار " يهنئ له الظفر " كقوله: هنيئا له الظّفر، وصار اختزال الفعل وحذفه في هنيئا كحذفه في قولهم: الحذر، والتقدير: احذر الحذر، فإذا قلت: هنيئا له الظّفر، فالتقدير: ثبت هنيئا له الظفر، فيكون الظفر مرفوعا بالفعل المقدّر، ومثله:
هنيئا لأرباب البيوت بيوتهم
… وللعزب المسكين ما يتلمّس (2)
كأنّه قال: ثبت هنيئا، إذا ظهر الفعل ارتفع به الاسم، كقولك هنأه الظّفر وليهنئ له الظّفر وما أشبه ذلك.
هذا باب ما أجري من المصادر المضافة مجرى المصادر المفردة المدعوّ بها(وإنّما أضيف ليكون المضاف فيها بمنزلته في اللام إذا قلت: سقيا لك؛ لتبيّن من تعني، وذلك قولك: ويحك، وويلك، وويسك، وويبك، ولا يجوز سقيك).
ذكر سيبويه هذه الأشياء على نحو استعمال العرب لها، ولم يجز سقيك لأنّ العرب لم تدع به، وإنّما وجب لزوم استعمال العرب إيّاها لأنّها أشياء قد حذف منها