والذي تعلم، لأنّ الابتداء إنّما هو خبر).
قال أبو سعيد: يعني هذه المصادر التي ذكرها اختارت العرب فيها الرّفع؛ لأنّهم جعلوها كالشيء اللّازم الواجب فأخبروا عنها، وجعلوها مبتدأة وجعلوا ما بعدها خبرها وصار بمنزلة قولك: الغلام لزيد، ثم وصل ذلك من جهة الابتداء فقال: وإذا اجتمع معرفة ونكرة فأحسنه أن يبتدأ بالأعرف وهو وجه الكلام، ومعنى يبتدأ بالأعرف أن تجعله هو المبتدأ المخبر عنه وإن أخّر في اللفظ، وكذلك لو وقع بعد كان وإنّ فالوجه: أن تجعل الأعرف هو الاسم كقولك: كان زيد منطلقا، وكان منطلقا زيد، ولم يحسن أن تقول: كان منطلق زيدا؛ لأنّك إنما تخبر عمّن يعرفه المخاطب بما لا يعرفه من شأنه حتّى يعرفه فيساويك فيه وفي خبره.
وفائدة الإفادة من المتكلم للمخاطب في الخبر، ولو جعل الاسم نكرة والخبر معرفة والاسم لا يستفيده المخاطب لم يصر المخاطب بمنزلة المتكلم في معرفة ما أفاده إياه.
قال: (ولو قلت: رجل ذاهب، لم يحسن، لأنه لا فائدة فيه، فإن قرنته بشيء يقرّبه من المعرفة وتقع به فائدة جاز؛ فتقول: راكب من بني فلان سائر، وتبيع الدّار فتقول: حدّ منها كذا وحدّ منها كذا، فأصل الابتداء للمعرفة فإذا أدخل فيه الألف واللام حسن الابتداء).
يعني أنّ الذي حسّن الابتداء في: " الحمد لله، والعجب والويل لزيد " دخول الألف واللام فيه، وإذا نكّر ضعف الابتداء بالنكرة إلا أن يكون في المنكور المبتدأ به معنى المنصوب كنحو ما ذكرنا، وقولهم: سلام عليكم، وويل لزيد، وخيبة لزيد؛ لأن هذه أشياء يدعى بها ويجوز فيها النّصب، فإذا رفع وذهب به مذهب الدعاء جرى مجرى المنصوب في حسنه وإن كان الابتداء بنكرة، وقد مضى نحو هذا.
قال سيبويه: (وليس كلّ حرف يصنع به كذلك، كما أنه ليس كلّ حرف تدخل فيه الألف واللّام من هذا الباب، لو قلت: السقي لك والرعي لك لم يجز).
قال أبو سعيد: اعتماد سيبويه في هذا ونحوه على استعمال العرب فيما استعملته على وجه لم يجاوزه ولم يجز
غيره قياسا، وما استعملته على وجهين أو أكثر جاز من ذلك ما استعملوه، ولم تستعمل العرب السقي لك، والرعي لك، فلم يجزه، وأجازه الجرميّ والمبرّد، وقد ذكرنا الاحتجاج لذلك فيما مضي.