وكان أبو العباس يردّ هذا من قول سيبويه ويقول: إنّه يجوز أن يجيء المصدر من فعل ليس من حروفه إذا كان في معناه.
وقد ذكر المازني في قولهم: تبسّمت وميض البرق " قولين للنحويين في نصب وميض البرق:
أحدهما: مثل قول سيبويه؛ أنهم يضمرون فعلا، كأنهم قالوا: أومضت " وميض البرق ".
والثاني: أنّ " تبسّمت " قد ناب عن أو مضت وميض البرق؛ فكأنه قال: تبسمت تبسّما مثل وميض البرق.
قال أبو سعيد: والذي عندي أنّه يجوز أن ينتصب المصدر بالفعل الذي هو من غير لفظه كقولنا: قعد زيد جلوسا حسنا، وقعد زيد جلوس عمرو، تريد قعودا مثل جلوس عمرو، وفى ذلك دليلان:
أحدهما: ما لا يختلف فيه أهل اللغة أنه قد يجيء المصدر من لفظ الفعل المتروك وليس بمبنيّ من بنية الفعل، فلا يكون بينه وبين الذي هو من بنيته فرق كقول الله تعالى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (1) ومصدر تبتّل من بنية بتل، إنما تبتيل مصدر تبتّل تبتيلا، ومثل هذا في الكلام: تحاور القوم احتوارا، واحتوروا تحاورا، ولا فرق بينهما، ويقال:
افتقر فقرا، ولا يستعمل من فقر فعل غير افتقر وإن كان ينبغي أن يكون فقر مصدر فقر فاستغني عنه بافتقر، وقال الشاعر:
وقد تطوّيت انطواء الحضب (2)
يريد: تطوّي الحضب لأنّ المعنى في تطوّى وانطوى واحد؛ فأغنى بنية مصدر أحدهما عن الآخر إذ لا فرق بين المصدرين، كما لا فرق بين الفعلين.
والدليل الآخر: أنا إذا قلنا قعد زيد جلوس عمرو، فالتقدير: قعد زيد جلوسا مثل جلوس عمرو ثم حذف المنعوت والمضاف.
وقولنا: مثل جلوس عمرو معنى صحيح معقول صحّته فإذا حذف مثل وصل الفعل