قال سيبويه: " والفتح في الأفعال التي لم تجر مجرى المضارعة قولهم ضرب، وكذلك كل بناء من الفعل كان معناه فعل ".
إن سأل سائل فقال: لم وجب فتح أواخر الأفعال الماضية؛ فهلا أسكنت أو حركت بغير الفتح؟
فالجواب عنه وبالله التوفيق أن الأفعال كلها من حقها أن تكون مسكنة الأواخر والأسماء كلها من حقها أن تكون معربة وقد بينا هذا فيما مرّ من التفسير.
غير أن الأفعال انقسمت ثلاثة أقسام؛ فقسم منها ضارع الأسماء مضارعة تامة استحق بها أن يكون معربا وهو الأفعال المضارعة التي في أوائلها الزوائد الأربع، وقد بينا كيفية المضارعة واستحقاق المضارعة للإعراب بما أغنى عن إعادته.
والضرب الثاني من الأفعال ما ضارع الأسماء مضارعة ناقصة وهو الفعل الماضي.
والضرب الثالث ما لم يضارع الأسماء بوجه من وجوه المضارعة وهو فعل الأمر.
فرأينا الأفعال قد ترتبت ثلاث مراتب: أولها الفعل المضارع المستحق للإعراب، وقد أعرب، وآخرها الثالث فعل الأمر الذي لم يضارع الاسم البتة فبقي على سكونه، وتوسط الفعل الماضي فنقص عن درجة الفعل المضارع لنقصان مضارعته، وزاد على فعل الأمر لما فيه من المضارعة، فلم يسكن كفعل الأمر لفضله عليه، ولم يعرب كالفعل المضارع لقصوره عنه، وبني على حركة واحدة إذ كان المتحرك أمكن من الساكن، وجعلت تلك الحركة فتحة دون غيرها من أربعة أوجه:
أولها: أنّ الفتحة أخفّ الحركات، وإنما القصد والمغزى في تحريكه إلى أن يخرج عن مرتبة الساكن الذي هو فعل الأمر، فلما كانت الفتحة تخرجه من ذلك وهي أخف الحركات لم يتجاوز إلى غيرها.
والوجه الثاني: أن الضمة لا تصلح فيه لما يقع فيه من اللبس بين فعل الواحد والجماعة؛ لأن من العرب من يقول: " ضرب "، في معنى " ضربوا "، " والقوم قام " في معنى " قاموا "، فيحذف الواو ويكتفي بالضمة منها، وقد قال الشاعر:
فلو أنّ الأطبّا كان حولى
… وكان مع الأطبّاء الأساة (1)
يريد: كانوا.