مهما تذكر فأنت الرجل لعلم، وحذف ونصب، وكذا إذا قال: هذا الفرس سمين جواد، قيل له مهما تذكر فهو سمين من أجل سمن أو لسمن فيه.
ورأيت ثعلبا ذكر هذا الباب من كلام سيبويه، فساق كلامه ثم اعترض بسؤالات من غير إنكار فقال: من أين قال ما قاله؟ ولم يرد عليّ ذا شيئا يحصّل، وحكى الفراء أشياء لم ينصرها.
وأنا أسوق ما قاله، وما قاله الكسائي والأحمر وذلك شيء يسير نزر، ثم اختار أبو العباس ثعلب بعد ذلك نحو
مذهب البصريين الذي يرتّبونه ويتكلّمون عليه فقال:
القياس وكلام العرب أن تكون أمّا جزاء حذفت الأفعال معها وبقيت الأسماء فعرّبت بما يكون بعد الفاء؛ لأن العرب تكتفي بما ظهر ممّا ترك فإذا جاءوا بما يدلّ على أنه جزاء أعملوا الأوائل بحقّ الجزاء فقالوا: أما العقل فعاقل؛ كقولك: إن ذكرت العقل فهو عاقل، فجاز حذف ما بعد فاء الخبر ونصبت الأوّل بتعليقه بلفظ الجرّ الأول، فإذا ظهر له ما يعمل فيه اكتفوا باللفظ الظاهر من هذا المعنى، وإدخالهم اليمين وإنّ وأخواتها دليل على استئناف الفاء بالجزاء، فإذا كان الجزاءان قد تباينا في الإعراب علمت أن الأوّل قد أعمل وأن الثاني قد أهمل وجاء الجزاء على بابه، فهذا القياس في ذلك، هذا كلام ثعلب.
قال أبو سعيد: وأنا أسوق من ذلك ما ينساق عليه كلام سيبويه وأذكر ما فيه خلاف بين النحويين البصريين منه ومذهب الكوفيين.
وأمّا الأصل الذي يسوق عليه سيبويه كلامه في ذلك: أنّ " أمّا " في الأصل قد نابت عن شرط الجزاء والفاء وما بعدها جواب، والشّرط الذي نابت عنه " أمّا " يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن تحذف جميعه وتقدّم اسم ما بعد الفاء من اسم أو ظرف أو شرط فيكون تقديم ذلك على الفاء، والمراد أن يكون بعدها عوض من المحذوف، وأما الاسم فقولك: أمّا زيد فضربت، وأما زيدا فلا تضرب، وأما زيد فخارج، والتقدير: مهما يكن من شيء فزيد خارج، فلمّا حذفت الشرط وما يتصل به قدّمت اسما من الجواب فكان عوضا منه، ولو كان بعد الفاء اسمان لم يجز إلا تقديم واحد منهما كقولك: أمّا زيد طعامه فلا تأكل، لا يجوز تقديم الطعام مع تقديم زيد، لأنّ الأصل أن لا يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها، وإنّما يقدّم اسم واحد ليكون عوضا مما حذف، وإذا استغنت " أمّا " بذلك الاسم