تقول: أمّا اليوم فإنك راجل على أن تنصب اليوم بما في أمّا من معنى مهما، كأنه قال:
مهما يكن من شيء فإنك راجل.
وكان أبو العبّاس المبرّد يجيز تقديم ذلك، وذكر أنّ " أمّا " موضوعة على التقديم إليها ما بعد الفاء، وردّ على المازنيّ ما قاله.
وذكر أن جواز ذلك مذهب سيبويه؛ لأن سيبويه قال: أجهد رأيك أنّك ذاهب، فنصب جهدا على الظرف، كأنّه قال: في جهد رأيك ذهابك والناصب لجهد استقرّ، وقال: لا يكون إلا ظرفا، وقال: أمّا جهد رأي فإنّك ذاهب فكسر إنّ لما أدخل أمّا وقال: لأنك لم تضطر إلى أن تجعله ظرفا كما اضطررت في الأول.
قال أبو سعيد: وتفسير ذلك أن قولك: أجهد رأيك أنك ذاهب، لا يجوز أن تنصب " جهد رأيك " بما بعد أنّ، وهو ذاهب؛ لأن خبر أنّ لا يعمل فيما قبل أنّ، فاضطرّ إلى أن يجعل أنّ وما بعدها مصدرا في موضع ابتداء، ويجعل أجهد رأيك ظرفا له، كما تقول: خلفك زيد على تقدير استقرار، وأمّا جهد رأيك فإنك ذاهب فقال: فيه نصبت جهد
بالفعل لا بالظرف، فقوله بالفعل يعني: بذاهب في مفهوم اللفظ.
والظاهر من هذا الكلام أن سيبويه نصب ما قبل الفاء بخبر " إنّ " الذي لا يجوز تقديمه على " أنّ " في غير " أمّا ".
قال أبو سعيد: يحتمل عندي أن يكون سيبويه ما أراد بهذا الذي قاله أبو العباس، وإنما أراد أن يفصل بين قولك: جهد رأيي أنك ذاهب وبين أمّا جهد رأيي فإنك ذاهب، بأن جهد رأى في الأول هو ظرف ب " أنّ "؛ وما بعدها خبر لها لأنّها في معنى المصدر، ولا طريق إلى نصبه غير الظرف وإذا أدخل " أمّا " فإنه يجوز أن ينصب بما في " أمّا " من معنى فعل الشرط المحذوف، ولا يكون على ما قال أبو العباس.
وأما الفرّاء فأجاز نصب بعض ذلك بما بعد الفاء ولم يجز تقديم بعض فيما أجاز تقديمه، أمّا عبد الله فإني ضاربه، فقال بالرفع والنصب، وقال: إنما جاز النّصب لأن الفاء كأنها لحدوثها أحدثت " أنّ " لأنها من حروف الاستئناف وما بعد الفاء مستأنف، ولو ألغيت " أمّا " و " الفاء " لم يجز ذلك، فقولك: " عبد الله إنّي ضارب " خطأ، ومثل ذلك " ليت " و " لعل " و " كأنّ ".
ويشبه أن يكون مذهب الفراء في ذلك أن هذه الحروف كأنها جلبت من أجل الفاء