ورد أبي العباس على سيبويه ضعيف، لأن ظروف الزمان أقوى في الاسمية، وذاك أن الفعل لفظ مبني على الزمان الماضي وغيره، كما أنه مبني من لفظ حروف المصادر وليس كذلك المكان.
فأسماء الزمان بمنزلة المصادر، والمصادر متمكنة كسائر الأسماء في وقوع الفعل منها وبها، والزمان تشبيها. ويدل على هذا أنه يكثر في كلام العرب العبارة عن الزمان بألفاظ المصادر، والخبر عن المصادر بألفاظ الزمان حتى كأنها شيء واحد.
تقول: آتيك صلاة العصر، ومقدم الحاج، فتعبر عن الزمان بلفظ المصدر، وتقول:
قيامك يوم الخميس، ورحيلنا يوم الجمعة، فتخبر عن المصادر بألفاظ الزمان، قال الله تعالى: غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ (1) وهذا كثير مطرد، وليس للمكان هذا.
وعلى أن اللفظ العام لظروف الزمان هو الوقت والزمان والدهر، وكل واحد متمكن، ثم ينقسم هذا إلى: الليل والنهار، وهما متمكنان قويان في التمكن، ثم ينقسمان إلى الساعات، وهي قوية التمكن، وليس كذلك المكان، لأن
الاسم العام له هو المكان، ثم ينقسم إلى الجهات الست. نحو: خلف وقدام، ونحوهما وهي ضعيفة التمكن. فأما ما حكاه المبرد من كلام سيبويه، أن ظروف المكان أقرب إلى الأناسيّ لا تكون ظروفا، وجميع ألفاظ الزمان تكون ظرفا، وجملة الزمان أنه إذا استعمل ظرفا، قوي في الظرفية، فإذا استعمل اسما قوي في الاسمية.
هذا باب الجر(والجر إنما يكون في كل اسم مضاف إليه).
قال أبو سعيد: جعل سيبويه المجرور بحرف أو بإضافة اسم إليه كله مضافا ثم قسم ذلك فقال:
(إن المضاف إليه ينجر بثلاثة أشياء:
بشيء ليس باسم ولا ظرف). وذكر الفصل.
قال أبو سعيد: اعلم أن الجر يكون بشيئين:
أحدهما: دخول حرف ليس باسم ولا ظرف.