السكون وأقرب من المبني الساكن إليه ما كان مبنيا على حركة؛ وكذلك فعل الأمر الذي هو مبني على السكون أبعد الأشياء من الأفعال المضارعة المعربة، وأقرب منه إليها الفعل الماضي الذي هو مبني على حركة.
فصارت الأفعال ثلاث مراتب: الأفعال المضارعة المعربة، وبعدها الفعل الماضي المبني على الفتح، وبعد ذلك كله فعل الأمر المبني على السكون، والأسماء ثلاث مراتب أيضا: فأولها المعربة نحو زيد وعمرو وكل اسم معرب، وبعدها الأسماء المبنية على حركة كقولك: يا زيد ويا حكم وجئتك أوّل، وبعد ذلك الأسماء المبنية على السكون كقولك:
من، وكم، وإذ، فأبعد الأفعال من الأفعال المضارعة فعل الأمر، وأقربها إليها الفعل الماضي، وأبعد الأسماء من الأسماء المتمكنة ما كان مبنيا على السكون نحو كم وإذ، وأقر بها إليها يا حكم وأبدأ بهذا أوّل، وكل بناء من الفعل يؤمر به فحكمه أن يكون موقوفا وإن اختلفت أمثلته كقولك: انطلق، استغفر، وما أشبه ذلك، فاعرفه إن شاء الله تعالى.
وقال سيبويه: والفتح في الحروف التي ليست إلا لمعنى وليست بأفعال ولا أسماء، قولهم: " سوف " و " ثمّ ".
قال أبو سعيد: فإن قال قائل: ولم فتح الفاء والميم في " سوف " و " ثم "؟ قيل له: إنما كان من حكمهما أن يكونا ساكنين، إلا أنه التقى ساكنان في آخر الحرفين، وهما الواو والفاء في " سوف " والميم الأولى والثانية في " ثم " وكانت الفتحة أخف، لأن الفاء في " سوف " قبلها واو، فكرهوا كسرها للواو قبلها، والميم الأخيرة في " ثم " قد أدغم فيها ميم أخرى وقبلها ضمة، فكرهوا كسرها للتضعيف فيها، والضمة قبلها.
فإن قال قائل: فهلا أجزت: و " ثمّ "، و " ثمّ " و " ثمّ "، كما تقول: " ردّ " و " ردّ " و " ردّ "، كقول جرير:
فغضّ الطّرف إنك من نمير
… فلا كعبا بلغت ولا كلابا
ويروى " فغضّ " و " غضّ "؟
وقال آخر:
قال أبو ليلى بحبل مده
… ثم إذا مددته فشدّه