وإنما منع سيبويه من الصفة ب (قفيز) في قوله: (مررت ببر قفيز بدرهم) على الصفة، لأنك لم ترد أنّ فعل البرّ الذي مررت به كله قفيزا واحدا، كما أردت بقولك:
مررت ببرّ بدرهم، وإن كان قفزانا كثيرة، وإذا جئت بعد المقدار باسم، جعلت المقدار له، رفعت على الابتداء والخبر، تقول: مررت بجبة ذراع طولها، وبثوب سبع طوله، وبرجل مائة إبله، وببر قفيز كله، وبنسوة أربع عددهن، وناس خمسة أولهم.
وإنما اختير فيه الرفع لأن ما هو أقرب إلى الفعل منه يختار فيه الرفع، كقولك:
مررت برجل خير منه أبوه، وأفضل منه زيد، ولم يكن مثل باب حسن الوجه، لأنك تقول: مررت بجبة ذراع الطول، إذا نونت ولا ذراع الطول إذا لم تنون، كما تقول:
حسن الوجه إذا نونت، وحسن الوجه إذا لم تنون، وبعض العرب يجر، كما يخبر الجر حين يقول: مررت بسرج خز صفته فتقول: مررت بجبة ذراع طولها، كأنك قلت: قصير طولها، ومررت برجل مائة إبله، كأنك قلت: كثيرا إبله، وفي سياق كلام سيبويه، (ومنهم من يجره) بعد قوله، (وبعض العرب يجره) لأنه:
أراد: تشبيهه برجل أسد أبوه، وما بعد هذا من كلامه، فقد مضى تفسيره.
قال سيبويه: (وزعم يونس أنه لم يسمع من أحد)، يعني: مررت برجل مائة إبله، (ولكنهم يقولون: هو نار جمرة، لأنهم قد يبنون الأسماء على المبتدإ). وذكر الفصل.
قال أبو سعيد: من قال: هو نار جمرة، جعل النار في تأويل فعل، كأنه قال: مجمر جمرة، فجعل في: أسد أبوه من تأويل شديد، وفي مائة إبله من تأويل كثير، مثل: ما في نار من تأويل: مجمر، وأحوج إلى هذا، أن جمرة لا بد من نصبها في شيء يجري مجرى الفعل.
وقال الزجاج: باب الأخبار أن تكون أفعالا، لأنك تخبر بحدث، وقولك: هو نار جمرة، ليس الضمير لنار، إنما هو لرجل، أو جوهر، وإنما المعنى هو مثل: نار جمرة، وقال أخبر: مررت برجل نار جمرة، أريد مثل نار، كما أردت حيث كان خبر ابتداء كأنك قلت: مررت برجل مثل نار، أو شبه نار جمرة.
قال: وكلام سيبويه يدل على أن نارا تقع خبرا ولا تقع صفة.
فقال أبو سعيد: أظنه تأول من كلام سيبويه قوله: ولكنهم يقولون: هو نار جمرة، لأنهم قد بنوا الأسماء على المبتدإ
ولا يصفون بها، وليس الأمر كذلك عندي، ومما يجري مجرى ما تقدم من اختيار الرفع فيه وجواز الجر قولك في الرفع: مررت برجل رجل أبوه،