وحرفين، غير أن الغالب على " منذ " أن تكون حرفا، وعلى " مذ " أن تكون اسما: وأنا مبين جملة كافية في ذلك إن شاء الله.
تقول: " ما رأيته منذ يوم الجمعة " و " ما رأيته منذ اليوم ". وإذا قلت: " ما رأيته منذ يوم الجمعة " كان معناه: انقطعت رؤيتي له من يوم الجمعة، فكان يوم الجمعة لابتداء غاية انقطاع الرؤية، فمحل ذلك من الزمان كمحل " من " في المكان. إذا قلت: " ما سرت من بغداد "، أي ما ابتدأت السير من هذا المكان، فكذلك: ما وقعت رؤيتي عليه من هذا
الزمان، غير أن " من " على ما ذكرها البصريون تستعمل في غير الزمان، ويستعمل مكانها في الزمان: " منذ ".
فإن قال قائل: فقد قال الله عز وجل: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ (1)، و " أول يوم " من الزمان، فقد دخلته " من " على الزمان.
ثم قال زهير:
لمن الدّيار بقنّة الحجر
… أقوين من حجج ومن دهر (2)
وحجج معناها: سنون، وقد دخل عليها: " من ". فالجواب في ذلك: أن قوله:
" من أول يوم " يجوز أن يكون معناها: من تأسيس أول يوم، وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقول زهير: " من حجج " أي من مر حجج.
والكوفيون يزعمون أن " من " تصلح للمكان والزمان، و " منذ " لا تصلح إلا للزمان، وتعلق بعضهم بما ذكرناه وقد أنبأنا عما فيه.
وتقول: " ما رأيته مذ يوم الجمعة " و " ما رأيته مذ السبت " وإن شئت قلت: " مذ السبت ". فأما من ضم الذال فإنه اتبع الضمة الضمة. ومن كسر فلالتقاء الساكنين على ما يجب من الكسر لالتقاء الساكنين.
وفي الضم وجه آخر، وهو أن " مذ " مخففة من: " منذ "، كما خففت " رب " من:
" ربّ "، وقد كانت الذال من " منذ " مضمومة، فلما اضطر إلى تحريك الذال في " مذ " ضم بحركته في: " منذ ".