لو أسقطت (أن) لم يرفع كل من يحفى وينتعل، وكأن كذلك لما تضمنته من معنى التشبيه، والكاف داخلة على (أن) وليس كذلك (إن) المكسورة؛ ولكن لأنهما لا يقع عليهما شيء قبلهما، وقال: وأما ليتما زيد منطلق، فإن الإلغاء فيه حسن، وقد كان رؤبة بن العجاج ينشد هذا البيت رفعا، وهو قول النابغة الذبياني:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا
… إلى حمامتنا ونصفه فقد (1)
فرفعه على وجهين: على أن يكون بمنزلة قول من قال: ما بعوضة أو يكون بمنزلة قولك: إنما زيد منطلق.
قال أبو سعيد: أحد وجهي الرفع أن تجعل (ما) بمنزلة (الذي) كأنه قال فيا ليت الذي هو هذا الحمام لنا، وكذلك مثلا الذي هو بعوضة، والوجه الآخر أن تجعل (ما) كافة للعامل مثل: إنما زيد منطلق، وليست باسم، و (لعلّما) بمنزلة (كأنما). وقال ابن كراع العكليّ:
تحلل وعالج ذات نفسك وانظرن
… أبا جعل لعلّما أنت حالم (2)
وجعل (ما) كافة يغير معناها؛ لأنك إذا قلت إنما زيد البزاز تقلل أمره وكأنك تسلبه ما يدعى له غير البز، وليس الأمر في سائر الحروف كذلك، ولم تعمل (إنما) فيما بعدها؛ لأن ما أبطلت عملها، ونظيرها من الفعل أرى إذا جعلت لغوا في المواضع التي يلغى فيها أظن وأحسب ونحوهما ونطير (إنما) في إبطال عمل (إن) قول المرار الفقعسي:
أعلاقة أمّ الوليد بعد ما
… أفنان رأسك كالثغام المخلس (3)
فأبطلت ما إضافة (بعد) إلى (أفنان) فصار بعد ما بمنزلة حيث وإذ، فهما ظرفان تفسرهما الجمل بعدهما، واعلم أنّ (إنّ) إذا خففت كان لها مذهبان؛ أحدهما: أن يبطل عملها ويليها الاسم والفعل جميعا وتلزمهما اللام فرقا بين إن إذا كانت للجحد بمعنى ما وبين (إن) إذا كانت للإيجاب والتحقيق، وذلك قولك في الإيجاب: إن زيد لذاهب وإن عمرو لخير منك، ومثله: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (4) إنما هي لعليها ووَ إِنْ كُلٌ