وإذا قال لك رجل: كم لك؟ فقد سألك عن عدد، لأن (كم) هو اسم لعدة.
فإذا قال: كم لك درهما؟ أو كم درهما لك؟ ففسرت ما يسأل عنه قلت:
عشرون درهما. فعملت في الدرهم عمل العشرين في الدرهم ولك مبنية على كم.
واعلم أن (كم) تعمل في كل شيء حسن للعشرين أن تعمل فيه، فإذا قبح للعشرين أن تعمل في شيء قبح ذلك في
(كم) لأن العشرين عدد منوّن، وكذلك (كم) هو منون عندهم، كما أن خمسة عشر عندهم بمنزلة ما قد لفظوا بتنوينه، لولا ذلك لم يقولوا: خمسة عشر درهما ولكن التنوين ذهب منه كما ذهب مما لا يتصرف، وموضعه موضع اسم منون.
وكذلك (كم) موضعها موضع اسم منون، وذهبت منها الحركة، كما ذهبت من (إذ) لأنهما غير متمكنين في الكلام، وذلك أنك لو قلت: كم لك الدرهم لم يجز، كما لم يجز في قولك: عشرون الدرهم، ولأنهم إنما أرادوا عشرون من الدراهم، هذا معنى الكلام، ولكنهم حذفوا الألف واللام وصيروه إلى الواحد، وحذفوا (من) استخفافا كما قالوا: هذا أول فارس في الناس وإنما يريدون: هذا أول من الفرسان فحذف الكلام.
وكذلك (كم) إنما أرادوا كم لك من الدراهم؟
وزعم أن قولك العشرون لك درهما فيها قبح، ولكنها جازت في (كم) جوازا حسنا؛ كأنه صار عوضا من التمكن في الكلام؛ لأنها لا تكون إلا مبتدأة ولا تؤخر فاعله ولا مفعوله، ولا تقول: رأيت كم رجلا، وإنما تقول: كم رجلا رأيت.
وتقول: كم رجل أتاني، ولا تقول: أتاني كم رجل.
ولو قال: أتاك ثلاثون- اليوم- رجلا كان قبيحا؛ لأنه لا يقوى قوة الفاعل وليس مثل (كم) لما ذكرت لك. وقال الشاعر:
على أنني- بعد ما قد مضى-
… ثلاثون للهجر حولا كميلا
يذكر منك حنين العجول
… ونوح الحمامة تدعو هديلا (1)
و (كم رجلا أتاك) أقوى من: (كم أتاك رجلا)، وكم هاهنا فاعلة.
و (كم رجلا ضربت) أقوى من: (كم ضربت رجلا)، وكم هاهنا معقولة.