وإن كان المعنيان مختلفين؛ لأن معنى كم مأخوذ بك غير معنى: كم رجل لك.
ولا يجوز في (ربّ) ذلك؛ لأن كم اسم، وربّ غير اسم، ولا يجوز أن تقول:
رب رجل لك.
قال أبو سعيد: هذا الباب أكثره مفهوم، ومنه ما قد مضى تفسيره في غير هذا الباب، وأنا أسوق هذا الباب إلى آخره جملة، ليقع تفسير ما يفسر منه جملة غير مفرقة والله المعين بطوله.
فمن ذلك قوله: وهي: يعني (كم) في الاستفهام تكون اسما فاعلا، وكم لا تكون فاعلة؛ لأنها أول الكلام في اللفظ،
فإذا كان الفعل لها فإنما يرتفع ضميرها به. وهي مرفوعة بالابتداء، وإنما سماها فاعلة لأن الفعل في المعنى لها. وقوله: لا تصرّف تصّرف يوم وليلة؛ لأن يوما وليلة يتقدمان ويتوسطان ويتأخران، و (كم) لها صدر الكلام.
وشبهت (بعشرين) لأنها تنصب، ومنصوبها واحد من النوع، فمذهبها مذهب ما ينصب واحدا منكورا، وهي من أحد عشر إلى تسعة وتسعين، وتقدر (كم) تقدير اسم كان منونا بنصب ما بعده بالتنوين، ودخله البناء، وحذف التنوين لوقوعه موقع حرف الاستفهام فصار ينصب ما بعده بتقدير التنوين، ودخله البناء، كما تنصب ما بعد خمسة عشر بتقدير التنوين.
ولا يستقبح الفصل بين عشرين وبين منصوبها من النوع؛ لأن (كم) كانت مستحقة للتمكن بالاسمية ثم منعته بما أوجب لها البناء، فصار الفصل واستحسان جوازه عوضا مما منعته من التمكن و (العشرون) وبابها باق على التمكن، وإن كان ذلك يجوز في العشرين ونحوها في الشعر على ضعفه لضعف عمل (عشرين).
فمما لم ينشده سيبويه قول عبد بني الحسحاس من:
أشوقا ولما تمض لي غير ليلة
… رويد الهوى حتى تغب لياليا
فأشهد عند الله أني رأيتها
… وعشرون منها إصبعا من ورائيا (1)
وذكر أبو العباس محمد بن يزيد أنه قرأ على عمارة لجرير:
في خمس عشرة من جمادى ليلة
… لا أستطيع على الفراش رقادي (2)