وعمقها طويل، لا يموت أهلها فيستريحوا ولا تقال عثرتهم «١» ولا ترحم عبرتهم «٢»، طعامهم «٣» الزقوم، وشرابهم الحميم، كلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها ليذوقوا العذاب «٤»، ندموا حيث لا ينفعهم الندم، وعضوا على الأيدي أسفا على تقصيرهم في طاعته، وركوبهم لمعاصي الله عزّ وجلّ.
فقال منهم قائل: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ «٥» لِحَياتِي «٦».
وقال قائل: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ «٧».
وقال قائل: يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها «٨».
وقال قائل: يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا «٩».
وقالت فرقة منهم- ووجوههم تتقلّب في أنواع من العذاب- يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول «١٠».
فهذه النار يا معشر المسلمين، يا حملة القرآن، حذّرها الله عزّ وجلّ المؤمنين «١١» في غير موضع من كتابه، رحمة منه لهم، فقال عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ «١٢».
(١) يقال: أقاله يقيله إقالة، وأقال الله عثرته: إذا رفعه من سقوطه، ومنه: الإقالة في البيع لأنها رفع العقد، المصباح المنير ٥٢١ (قيل).
(٢) عبر الرجل والمرأة والعين من باب طرب: أي جرى دمعه اه. مختار الصحاح ص ٤٠٨ (عبر).
(٣) في ظ: وطعامهم.
(٤) اقتباس من آية (٥٦) من سورة النساء.
(٥) كلمة (قدمت) سقطت من ظ.
(٦) الفجر (٢٤).
(٧) المؤمنون (١٠٠).
(٨) الكهف (٤٩).
(٩) الفرقان (٢٨).
(١٠) الأحزاب (٦٦). وهي هكذا في النسخ: (الرسول) وقد قرأ البصريان وحمزة بحذف الألف وصلا ووقفا، وقرأ المدنيان والشامي وشعبة بإثبات الألف بعد النون، وصلا ووقفا، والباقون بحذفها وصلا وإثباتها وقفا. انظر: النشر في القراءات العشر ٢/ ٣٤٧، والبدور الزاهرة للشيخ عبد الفتاح القاضي ص ٢٥٢، ٢٥٦، والمهذب ٢/ ١٤٢، ١٤٩.
(١١) في د وظ: للمؤمنين.
(١٢) التحريم (٦).