وقال مجاهد وعطاء: هي محكمة، ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم «١»، والعلماء على خلاف ذلك.
فإن قيل: فقد قال الله عزّ وجلّ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «٢»، فهذا يؤيد قول عطاء ومجاهد.
وكيف تكون هذه الآية ناسخة لآية البقرة، وإنما (أباحه) «٣» قتل المشركين بعد انسلاخ الأشهر الحرم؟ (فالجواب أن الأشهر الحرم) «٤» في براءة، ليست هي التي قال الله عزّ وجلّ فيها مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ «٥»، إنما هي أربعة أشهر أخر، وهي أشهر السياحة، أمر المؤمنين بقتل المشركين بعد انسلاخها حيث وجدتموهم، وفي أي زمان لقوهم، وكان أولها بعد يوم النحر من ذلك العام «٦».
وأما الأشهر الحرم التي حرّم فيها القتال ثم نسخ (فهي) «٧» محرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة بغير خلاف «٨»، وإنما الخلاف في أنها من سنة أو من عامين، فأهل المدينة يجعلونها في عامين، يقولون: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب.
وقال أهل العراق: أولها محرم، فتكون من عام واحد «٩».
٦ - وقوله عزّ وجلّ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما «١٠».
(١) انظر: الإيضاح ص ١٦٠، ونسب البغدادي هذا القول إلى جابر بن عبد الله ومجاهد، وابن جريج. انظر الناسخ والمنسوخ له ص ١٨٤ وسيذكر المصنف المراد بالأشهر الحرم هنا.
(٢) التوبة: ٥.
(٣) هكذا في الأصل: أباحة. وفي بقية النسخ: أباحت. وهو الصواب.
(٤) سقط من الأصل قوله (فالجواب أن الأشهر الحرم).
(٥) التوبة: ٣٦ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ....
(٦) انظر: الإيضاح ص ١٦٠، والناسخ والمنسوخ لقتادة ص ٣٤، ولابن حزم ص ٢٨، وتفسير ابن كثير (٢/ ٣٣٥)، والقرطبي (٤/ ٦٤، ٧٢).
(٧) كلمة (فهي) ساقطة من الأصل.
(٨) انظر صحيح البخاري كتاب التفسير (٥/ ٢٠٤)، وأحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٩٣٨)، وتفسير القرطبي (٨/ ١٣٣)، وفتح الباري (٨/ ٣٢٥)، وتفسير ابن كثير (٢/ ٣٥٥).
(٩) انظر: الإيضاح ص ١٦١، والنحاس ص ٤٠، وتفسير الطبري (١٠/ ١٢٥) والدر المنثور (٤/ ١٨٣).
(١٠) البقرة: ٢١٩.