قال بعض مؤلفي الناسخ والمنسوخ «١»: أكثر العلماء «٢» على أنها ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر، قال: لأن الله تعالى أخبرنا أن في الخمر إثما، وأخبرنا أن الإثم محرّم بقوله عزّ وجلّ قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ ... «٣».
قال: فنصّ على أن الإثم محرّم، وأخبر أن في شرب الخمر إثما، فهي محرّمة بالنص الظاهر الذي لا إشكال فيه «٤»، قال: وما حرّم كثيره فقليله حرام كلحم الميتة والخنزير والدم.
وسورة البقرة مدنية، فلا يعترض على ما فيها بما في الأنعام المكّيّة في قوله عزّ وجلّ قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً «٥» عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً
مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ
«٦»، لأن هذه الآية والتحريم نزل بمكّة «٧» والخمر نزل تحريمها بالمدينة، وزادنا الله في تأكيد تحريم الخمر بقوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «٨»؟ فهذا تهديد ووعيد، يدلان على تأكيد تحريم الخمر.
وزاد ذلك بيانا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «حرّمت الخمر لعينها والمسكر من غيرها» «٩» وأكد الله تعالى ذلك وحققه بقوله فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «١٠» ولعلّ من
(١) اعتمد السخاوي في هذا على ما كتبه مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص ١٦٦، وسيأتي تصريح السخاوي بالنقل عن مكي في هذا السياق ومناقشته له في كثير مما ذكره حول هذه الآية.
(٢) في ظ: وأكثر.
(٣) الأعراف: ٣٣.
(٤) قال ابن عطية: وهذا ليس بجيد، لأن الإثم الذي فيهما هو الحرام، لا هي بعينها على ما قالوا) اه بتصرف. المحرر الوجيز (٢/ ٦٣).
(٥) إلى هنا ينتهي نص الآية في ظق وظ.
(٦) الأنعام: ١٤٥.
(٧) في ظ: لأن هذا التحريم نزلت بمكة. وفي د وظق: لأن هذا التحريم نزل بمكة. وهو الصواب.
(٨) المائدة: ٩١. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.
(٩) رواه النسائي في سننه بأسانيد مختلفة وألفاظ متقاربة، كتاب الأشربة باب الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب المسكر (٨/ ٣٢١). وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه كما ذكره السيوطي. انظر الدر المنثور (٣/ ١٦٢).
(١٠) المائدة: ٩٠ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ....