قيل: كان ذلك وهم يحفرون الخندق، وهذا هو الحق والصواب والاستئذانان مختلفان، ولا نسخ بينهما «١».
السابع: قوله عزّ وجلّ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ... «٢» الآية، قالوا:
هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ «٣» «٤»، وهذا غير صحيح، بل هو مؤكد للأول وإنما معنى الأول: أن استغفارك لهم غير
نافع، ففعله وتركه سواء ولم يرد بذلك الصلاة عليهم، ولا تخيير بين الاستغفار وتركه، وكيف يستغفر لهم أو يصلّي عليهم، وقد قال الله عزّ وجلّ في الآية: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟!.
فإن قلت: فقد روى عن النبي- صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال: «لأزيدن على السبعين» فنزلت:
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ «٥» لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ «٦».
قلت: يرد هذه الرواية قوله عزّ وجلّ: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فكيف يقول صلّى الله عليه وسلّم: «لأزيدن على السبعين»، وهو يعلم أن «٧» الزيادة على السبعين الى ما لا نهاية له من العدد لا ينفع الكافر؟ هذا ما لا يصح «٨».
(١) وهذا هو الصحيح، وعليه فطاحل العلماء. انظر: جامع البيان ١٠/ ١٤٣ والناسخ والمنسوخ للنحاس ص ٢٠٢ - حيث ذكر النحاس الروايتين عن ابن عباس، ورجح الأحكام- وكذلك مكي ذكر القولين عن ابن عباس مرجحا القول بالأحكام. انظر: الإيضاح ص ٣١٦، وقال ابن الجوزي- بعد روايته للنسخ عن ابن عباس- فالصحيح أنه ليس للنسخ هنا مدخل ... » اه نواسخ القرآن ص ٣٦٨.
(٢) التوبة: (٨٠).
(٣) التوبة: (٨٤).
(٤) حكاه النحاس ورده ص ٢٠٨. وكذلك ص ٣١٩.
(٥) إلى هنا ينتهي نص الآية في بقية النسخ.
(٦) المنافقون: (٦).
وقد حكى هذا القول- أي أن آية التوبة منسوخة بآية المنافقين- ابن حزم ص ٤٠، وابن سلامة ص ١٨٧، وعزا هذا القول النحاس إلى ابن عباس من طريق جويبر عن الضحاك، وجويبر ضعيف (كما سبق)، وأورده مكي عن ابن عباس- أيضا- في الإيضاح ص ٣١٩، وانظر: نواسخ القرآن ص ٣٦٩، وذكره الطبري بصيغة (روى) دون أن يعزوه لأحد، ودون تصريح بالنسخ. جامع البيان ١٠/ ١٩٨.
(٧) أن: ساقطة من ظ.
(٨) قال القرطبي: «قال القشيري: ولم يثبت أنه قال: (لأزيدن على السبعين)، ثم قال القرطبي: