فإن أراد سيبويه هذا فهو حسن، وإن أراد أنهم لم يأتوا بالتسليم يريدون به «١» التبرّؤ، فإن ذلك يبطل بقوله عزّ وجلّ في سورة القصص- حين أثنى على قوم من أهل الكتاب أسلموا-: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ «٢».
وهذه الآية أخت تلك، وقد عيب عليه قوله، لا خير بيننا ولا شر.
وقال مكّي في هذه الآية: إن هذا- وإن كان خبرا- فهو من الخبر الذي يجوز نسخه.
قال: لأنه ليس فيه خبر من الله عزّ وجلّ لنا عن شيء يكون، أو شيء كان فينسخ بأنه لا يكون أو (بآية) «٣» لم يكن، هذا الذي لا يجوز فيه النسخ، وإنما هذا خبر من الله عزّ وجلّ لنا أن هذا الأمر كان من فعل هؤلاء الذين هم عباد الرحمن، قبل أن يؤمروا بالقتال، وأعلمنا في موضع آخر (نزلت) «٤» بعد فعلهم ذلك أنه أمر بقتالهم وقتلهم، فنسخ ما كانوا عليه.
قال: ولو أعلمنا «٥» في موضع آخر أنهم لم يكونوا يقولون للجاهلين: (سلاما) لكان هذا نسخا للخبر الأول، وهذا لا يجوز، وهو نسخ الخبر بعينه.
والله عزّ وجلّ يتعالى عن ذلك.
قال: فإذا «٦» كان الخبر حكاية عن فعل قوم جاز نسخ ذلك الفعل الذي أخبرنا به عنهم، بأن يأمر بأن لا يفعلوه «٧»، ولا يجوز نسخ ذلك الخبر، والحكاية بعينها بأنها لم تكن «٨»، أو كانت على خلاف ما أخبر به أولا، فاعرف الفرق في ذلك «٩» اه وقوله هذا- لو فرضنا أن تأويل الآية: أن الجاهلين هم المشركون- لا يصح به نسخ الآية، لأن الله عزّ
(١) في بقية النسخ: مريدين.
(٢) القصص (٥٥).
(٣) هكذا في الأصل: بآية. وفي بقية النسخ (بأنه) وهو الصواب.
(٤) هكذا في الأصل: نزلت. وفي بقية النسخ (نزل) وهو الصواب.
(٥) سقطت الهمزة من ظ.
(٦) في ظ: فإن كان.
(٧) في ذ وظ: تفعلوه.
(٨) في د: لم يكن.
(٩) انظر: الإيضاح ص ٣٧١، ٣٧٢ مع تصرف السخاوي في بعض العبارات.