قال أبو حامد «١»: إذا قال لأضربنك مائة خشبة حصل البرّ بالضرب بشمراخ عليه مائة من القضبان.
قال: وهذا بعيد على خلاف موجب اللفظ، قال الله تعالى وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ «٢» بِهِ وَلا تَحْنَثْ في قصة أيوب- عليه السلام- ثم لا بد أن يتثاقل على المضروب بحيث
تنكبس «٣» به القضبان «٤» حتى يكون لكل واحد أثر، ولا بأس أن يكون وراء حائل، إذا كان لا يمنع التأثير أصلا.
وفيه وجه: أنه لا بد من ملاقاة الجميع بدنه، ولا يكفي انكباس البعض على البعض قال: ثم لو شككنا «٥» في حصول (التنقل «٦» والمماسة) - أن شرطناها-: قال الشافعي: حصل البرّ، ونص أنه لو قال: لا أدخل الدار إلّا أن يشاء زيد، ثم دخل، ومات زيد، ولم يعرف أنه شاء أم لا: حنث.
فقيل: قولان بالنقل والتخريج، لأجل الاشكال «٧».
وقيل: الفرق أن الأصل عدم المشيئة، ولا سبب يظن به وجودها، وللضرب هاهنا سبب ظاهر.
قال: ولو قال: مائة سوط بدل الخشبة، لم يكفه الشماريخ، بل عليه أن يأخذ مائة سوط ويجمع ويضرب دفعة واحدة.
ومنهم من قال: يكفيه الشماريخ، كما في لفظ الخشبة، أما إذا قال: لأضربن مائة ضربة لا يكفي الضرب مرة واحدة بالشماريخ.
(١) هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي أبو حامد، تفقه على إمام الحرمين، وبرع في علوم كثيرة، وله مصنفات كثيرة منتشرة في فنون متعددة، وكان من اذكياء العالم في كل ما يتكلم فيه، وكان فيلسوفا متصوفا، عمل مدرسا في المدرسة النظامية في بغداد، ثم ارتحل إلى دمشق وبيت المقدس، وعاد إلى بلده، مولده ووفاته في طوس في خراسان (٤٥٠ - ٥٠٥ هـ).
انظر: البداية والنهاية: ١٢/ ١٨٥، والإعلام: ٧/ ٢٢.
(٢) في د: فالضرب.
(٣) أي حتى تصيب كلها جسده.
(٤) في د: الضبان. وفي ظ: لا تقرأ.
(٥) في د: شكنا.
(٦) هكذا في الأصل: التنقل والمماسة. وفي بقية النسخ: التثقيل أو المماسة. وهو الصواب.
(٧) يعني الأخذ بالنصوص المنقولة إلينا التي تفيد إقامة الحدود، أو اللجوء إلى المخرج والحيلة إذا وجدت أسباب ذلك لرفع الإشكال، وبهذا نكون قد عملنا بهذا وذاك. والله أعلم.