المكاشفة، ويقول: هذا هو الحزم. وقد كان صلّى الله عليه وسلم واجدا على بعض أحياء العرب، فوردوا عليه وهو معرض عنهم، فقام رجل منهم فأنشده «1» :
فحي ذوي الأضغان تستبق ودهم
... تحيتك الحسنى فقد يرفع النفل
وإن أظهروا سوآ فأظهر كرامة
... وإن كتموا عنك الحديث فلا تسل
فإن الذي يؤذيك منه استماعه
... وإن الذي قالوا وراءك لم يقل
فأقبل صلّى الله عليه وسلم ورضي عنهم وقال: إن من الشعراء لحكماء، وإن من البيان لسحرا، وأعاد قول الشاعر: وإن الذي قالوا وراءك لم يقل. استحسانا له واستصوابا، فلما صار إلى أمر الله عز وجل ما رضي إلا بمواطأة القلب للسان، وأن يكون الظاهر مثل الباطن، ثم ما رضي بأن يكون هذا القول منه ومن عنده حتى قال هذا القول/ قول الله لا قولي، وقول خالقكم وخالق «2» العالم بضمائركم وما أخفيتم.
وتأمل قوله: «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ» إلى قوله: «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» «3»
فانظر كيف يقول لأولئك لما جاؤا معتذرين وسامعين ومطيعين: إنكم قد قلتم بألسنتكم ما ليس في قلوبكم، وإن قعودكم لم يكن لشغلكم بأموالكم وأهليكم بل لظنكم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا.
ويقول لهؤلاء الآخرين الذين بهم ضعف بصيرة وقد جاؤا مذعنين