62 - حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْقِرَبِيُّ، وثنا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: ثنا بَشِيرُ بْنُ حُجْرٍ السَّامِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَنْصُورٍ الْأَنْبَارِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ
ص: 112 ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ مَرَّ رَجُلٌ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الْمَارَّ؟ قَالَ: لَا، فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: هَذَا سَوَادُ بْنُ قَارَبٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، لَهُ فِيهِمْ شَرَفٌ وَمَوْضِعٌ، وَهُوَ الَّذِي أَتَاهُ رَئِيُّهُ بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: عَلَيَّ بِهِ؟ فَدُعِيَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ سَوَّادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ الَّذِي أَتَاكَ رَئِيُّكَ بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَهَانَتِكَ؟ فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا اسْتَقْبَلَنِي بِهَذَا أَحَدٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ فَقَالَ عُمَرُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِمَّا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَهَانَتِكَ، أَخْبِرْنِي بِإِتْيَانِكَ رَئِيُّكَ بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إِذْ أَتَانِي رَئِيٌّ، فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: قُمْ يَا سَوَّادُ بْنَ قَارِبٍ، فَافْهَمْ وَاعْقِلْ، إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
البحر السريع
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتِجْسَاسِهَا
... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى
... مَا خَيْرُ الْجِنِّ كَأَنْجَاسِهَا
فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ
... وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى رَأْسِهَا
فَلَمْ أَرْفَعْ بِقَوْلِهِ رَأْسًا، وَقُلْتُ: دَعْنِي أَنَامُ، فَإِنِّي أَمْسَيْتُ نَاعِسًا، فَلَمَّا أَنْ
ص: 113 كَانَ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ، أَتَانِي، فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا سَوَّادُ بْنَ قَارِبٍ قُمْ، فَافْهَمْ، وَاعْقِلْ، إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ الْجِنِّيُّ، وَجَعَلَ يَقُولُ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتِطْلَابِهَا
... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى
... مَا صَادِقُ الْجِنِّ كَكَذَّابِهَا
فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ
... لَيْسَ قُدَامُهَا كَأَذْنَابِهَا
قَالَ: فَلَمْ أَرْفَعْ بِقَوْلِهِ رَأْسًا، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الثَّالِيَةُ أَتَانِي، فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا سَوَّادُ بْنَ قَارِبٍ افْهَمْ، وَاعْقِلْ، إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ الْجِنِّيُّ يَقُولُ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَأَخْبَارِهَا
... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأْكَوارِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى
... مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَكُفَّارِهَا
فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ
... بَيْنَ رَوَابِيهَا وَأَحْجَارِهَا
فَوَقَعَ فِي نَفْسِي حُبُّ الْإِسْلَامِ، وَرَغِبْتُ فِيهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ شَدَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، فَانْطَلَقْتُ مُتَوَجِّهًا إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَسَأَلْتُ عَنْ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لِي فِي الْمَسْجِدِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَعَقَلْتُ نَاقَتِي، وَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، فَقُلْتُ: اسْمَعْ مَقَالَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ادْنُهُ، ادْنُهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِي، حَتَّى صِرْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: هَاتِ، فَأَخْبِرْنِي بِإِتْيَانِكَ رَئِيُّكَ، فَقُلْتُ
ص: 114 :
البحر الطويل
أَتَانِي نَجِيِّي بَعْدَ هَدْءٍ وَرَقْدَةٍ
... فَلَمْ أَكُ فِيمَا قَدْ بَلَوْتُ بِكَاذِبِ
ثَلَاثَ لَيَالٍ قَوْلُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ
... أَتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ
فَشَمَّرْتُ مِنْ ذَيْلِ الْإِزَارِ وَوَسَّطَتْ
... بِيَ الذَّعْلَبُ الْوَجْنَاءُ بَيْنَ السَّبَاسِبِ
فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لَا رَبَّ غَيْرُهُ
... وَأَنَّكَ مَأْمُونٌ عَلَى كُلِّ غَائِبِ
وَأَنَّكَ أَدْنَى الْمُرْسَلِينَ وَسِيلَةً
... إِلَى اللَّهِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمِينَ الْأَطَائِبِ
فَمُرْنَا بِمَا يَأْتِيكَ يَا خَيْرَ مَنْ مَشَى
... وَإِنْ كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيْبُ الذَّوَائِبِ
وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ
... سِوَاكَ بِمُغْنٍ عَنْ سَوَادِ بْنِ قَارِبِ
قَالَ: فَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِإِسْلَامِي فَرَحًا شَدِيدًا، حَتَّى رُؤِيَ فِي وُجُوهِهِمْ قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ هَذَا مِنْكَ"