يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ "الصّحْبَةَ". قَالَتْ فَوَاَللهِ مَا شَعَرْت قَطّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنّ أَحَدًا يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ حَتّى رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي يَوْمَئِذٍ ثُمّ قَالَ يَا نَبِيّ اللهِ إنّ هَاتَيْنِ رَاحِلَتَانِ قَدْ كُنْت أَعْدَدْتهمَا لِهَذَا، فَاسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أَرْقَطَ - رَجُلًا مِنْ بَنِي الدّيلِ بْنِ بَكْرٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيّ - هَادِيًا خِرّيتًا - وَالْخِرّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السّهْمِيّ - عَنْ الْبُخَارِيّ ، وَكَانَتْ أُمّهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ مُشْرِكًا - يَدُلّهُمَا عَلَى الطّرِيقِ فَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، فَكَانَتَا عِنْدَهُ يرعاهما لميعادهما.
صَاحِبُهَا الْعَقِيلِيّ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ بِمَ أَخَذْتنِي يَا مُحَمّدُ وَأَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجّ يَعْنِي: الْعَضْبَاءَ فَقَالَ أَخَذْتُك بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك.
بُكَاءُ الْفَرَجِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ:
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ حَتّى رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ. قَالَتْ ذَلِكَ لِصِغَرِ سِنّهَا، وَأَنّهَا لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ قَبْلُ وَقَدْ تَطَرّقَتْ الشّعَرَاءُ لِهَذَا الْمَعْنَى، فَأَخَذَتْهُ اسْتِحْسَانًا لَهُ فَقَالَ الطّائِيّ يَصِفُ السّحَابَ:
دُهْمٌ إذَا وَكَفَتْ فِي رَوْضِهِ طَفِقَتْ
... عُيُونُ أَزْهَارِهَا تَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ
وَقَالَ أَبُو الطّيّبِ وَزَادَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى:
فَلَا تُنْكِرْنَ لَهَا صَرْعَةً
... فَمِنْ فَرَحِ النّفْسِ مَا يَقْتُلُ
وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدّثِينَ
وَرَدَ الْكِتَابُ مِنْ الْحَبِيبِ بِأَنّهُ
... سَيَزُورُنِي فَاسْتَعْبَرَتْ أَجْفَانِي
غَلَبَ السّرُورُ عَلَيّ حَتّى إنّهُ
... مِنْ فَرْطِ مَا قَدْ سَرّنِي أَبْكَانِي
يَا عَيْنُ صَارَ الدّمْعُ عِنْدَك عَادَةً
... تَبْكِينَ فِي فَرَحٍ وَفِي أَحْزَانِ