كَانَ فتح مَكّةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ وَالطّائِفِ، خَرَجْت وَمَعِي الْكِتَابُ لِأَلْقَاهُ فَلَقِيته بِالْجِعْرَانَةِ. قَالَ فَدَخَلْت فِي كَتِيبَةٍ مِنْ خَيْلِ الْأَنْصَارِ. قَالَ فَجَعَلُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرّمَاحِ وَيَقُولُونَ إلَيْك إلَيْك، مَاذَا تُرِيدُ؟ قَالَ فَدَنَوْت مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَاَللهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ كَأَنّهَا جُمّارَةٌ. قَالَ فَرَفَعْت يَدِي بِالْكِتَابِ ثُمّ قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا كِتَابُك لِي، أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرّ اُدْنُهُ" قَالَ فدنوت مِنْهُ فَأسْلمت ثُمّ
وَقَدْ قَدّمْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ كِسْرَى مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حِينَ أُتِيَ بِتَاجِ كِسْرَى، وَسِوَارَيْهِ وَمِنْطَقَتِهِ وَأَنّهُ دَعَا بِسُرَاقَةَ، وَكَانَ أَزَبّ الذّرَاعَيْنِ فَحَلّاهُ حِلْيَةَ كِسْرَى، وَقَالَ لَهُ ارْفَعْ يَدَيْك، وَقُلْ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي سَلَبَ هَذَا كِسْرَى الْمَلِكَ الّذِي كَانَ يَزْعُمُ أَنّهُ رَبّ النّاسِ وَكَسَاهَا أَعْرَابِيّا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ. فَقَالَ ذَلِكَ سُرَاقَةُ وَإِنّمَا فَعَلَهَا عُمَرُ لِأَنّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَدْ بَشّرَ بِهَا سُرَاقَةَ حِينَ أَسْلَمَ، وَأَخْبَرَهُ أَنّ اللهَ سَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بِلَادَ فَارِسٍ، وَيُغَنّمُهُ مُلْكَ كِسْرَى، فَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ سُرَاقَةُ فِي نَفْسِهِ وَقَالَ أَكِسْرَى مَلِكُ الْمُلُوكِ؟ فَأَخْبَرَهُ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنّ حِلْيَتَهُ سَتُجْعَلُ عَلَيْهِ تَحْقِيقًا لِلْوَعْدِ وَإِنْ كَانَ أَعْرَابِيّا بَوّالًا عَلَى عَقِبَيْهِ وَلَكِنّ اللهَ يُعِزّ بِالْإِسْلَامِ أَهْلَهُ وَيُسْبِغُ عَلَى مُحَمّدٍ وَأُمّتِهِ نِعْمَتَهُ وَفَضْلَهُ.
وَفِي السّيَرِ مِنْ رِوَايَةُ يُونُسَ شِعْرٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قِصّةِ الْغَارِ:
قَالَ النّبِيّ وَلَمْ يَزَلْ يُوَقّرُنِي
... وَنَحْنُ فِي سَدَفٍ مِنْ ظُلْمَةِ الْغَارِ
لَا تَخْشَ شَيْئًا ; فَإِنّ اللهَ ثَالِثُنَا
... وَقَدْ تَوَكّلَ لِي مِنْهُ بِإِظْهَارِ
وَإِنّمَا كَيْدُ مَنْ تَخْشَى بَوَادِرَهُ
... كَيْدُ الشّيَاطِينَ كَادَتْهُ لِكُفّارِ
وَاَللهُ مُهْلِكُهُمْ طَرّا بِمَا كَسَبُوا
... وَجَاعِلُ الْمُنْتَهَى مِنْهُمْ إلَى النّارِ